للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: ما معنى جمع الجنة وتنكيرها؟

قلت: الجنة اسم لدار الثواب كلّها، وهي مشتملة على جنّات كثيرة مرتّبة مراتب على استحقاقات العاملين، لكلّ طبقة منهم جنة من تلك الجنات.

والمراد بالجنة هنا (١): دار الخلود في الحياة الآخرة، أعدّها الله للمتقين، كما أعدّ النار للكافرين، ونحن نؤمن بهما ولا نبحث عن حقيقتهما. ثمّ (٢) الجنان ثمان: دار الجلال كلّها من نور مدائنها، وقصورها، وبيوتها، وأوانيها، وشرفها وأبوابها، ودرجها، وغرفها، وأعاليها، وأسافلها، وخيامها، وحليها، وكلّ ما فيها. ودار القرار كلّها من المرجان، ودار السلام كلّها من الياقوت الأحمر، وجنة عدن من الزبرجد كلّها، وهي قصبة الجنة، وهي مشرفة على الجنان كلّها، وجنة المأوى من الذهب الأحمر كلّها، وجنّة الخلد من الفضّة كلّها، وجنة الفردوس من اللؤلؤ كلّها، وجنة النعيم من الزمردّ كلّها، كذا قالوا، والله أعلم.

وجملة قوله: {تَجْرِي} وتسيل {مِنْ تَحْتِهَا}؛ أي: من تحت أشجارها ومساكنها على ظهر الأرض من غير حفيرة. {الْأَنْهارُ} الأربعة المذكورة في (سورة محمد)؛ أي: المياه المعهودة في الجنة المذكورة في قوله تعالى: {فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ} الآية. وهي أنهار الخمر، واللبن، والعسل، والماء. صفة لقوله: {جَنَّاتٍ}.

والأنهار جمع نهر بفتح الهاء وسكونها وهو (٣) المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر، كالنيل وهو نهر مصر، والمراد بها: الماء الجاري فيها، وأسند الجري إليها مجازا، والجاري حقيقة هو الماء، كما في قوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}؛ أي: أهلها، وكما قال الشاعر:

ونبّئت أنّ النّار بعدك أوقدت ... واستبّ بعدك يا كليب المجلس


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.