للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الطباع مائلة إلى المألوف، متنفرة عن غير المعروف؛ وليتبيّن لها مزيّة، إذ لو كان جنسا غير معهود، لظن أنّه لا يكون إلّا كذلك وإن كان فائقا، فحين أبصروا الرمّانة من رمّان الدنيا ومبلغها في الحجم، وأنّ الكبرى لا تفضل عن حدّ البطيخة الصغيرة، ثمّ يبصرون رمّانة الجنة، وهي تشبع السكن - أي: أهل الدار - كان ذلك أبين للفضل، وأجلب للسرور، وأزيد في التعجّب من أن يفاجئوا ذلك الرمّان من غير عهد سابق بجنسه. وعموم {كُلَّما} يدلّ على ترديدهم هذه المقالة، كلّ مرة رزقوا فيما عدا المرّة الأولى، يظهرون بذلك التبجّح وفرط الاستغراب، لما بينهما من التفاوت العظيم من حيث اللذّة، مع اتحادهما في الشكل واللون، كأنّهم قالوا: هذا عين ما رزقناه في الدنيا، فمن أين له هذه الرتبة من اللذة والطيب.

ولا يقدح فيه ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - (أنّه ليس في الجنّة من أطعمة الدنيا إلّا الاسم)، فإنّ ذلك، لبيان كمال التفاوت بينهما من حيث اللذّة، والحسن، والهيئة، لا لبيان أن لا تشابه بينهما أصلا، كيف لا وإطلاق الأسماء منوط بالاتحاد النوعي قطعا.

وجملة قوله: {وَأُتُوا بِهِ} حال من فاعل قالوا؛ أي: قالوا ذلك والحال أنّهم أتوا به، أي: جيئوا بذلك الرزق، أو المرزوق في الدنيا والآخرة جميعا.

والضمير عائد إلى ما دلّ عليه فحوى الكلام، مما رزقوا في الدارين حال كون ما أتوا به وأعطوه في الدارين. {مُتَشابِهًا} بعضه بعضا في اللون والجودة، فإذا أكلوا وجدوا طعمه غير ذلك أجود وألذّ، يعني: لا يكون فيه رديء، فقوله: {مُتَشابِهًا} حال من ضمير {بِهِ}.

وقيل المعنى: (١) كلّما رزقوا من الجنة رزقا من بعض ثمارها قالوا: هذا الذي وعدنا به في الدنيا جزاء على الإيمان، وصالح الأعمال، فهو من وادي قوله تعالى: {وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ


(١) المراغي.