للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به دينهم عن بقية الأديان.

وبعد أن بين في الآية الأولى شرط الدعاء .. أعاد الأمر به إيذانا بأن من لا يعرف أنه محتاج إلى رحمة ربه مفتقر إليها، ولا يدعو ربه تضرعا وخفية، ولا يخاف من عقابه، ولا يطمع في غفرانه يكون أقرب إلى الإفساد منه إلى الإصلاح، فقال: {وَادْعُوهُ}؛ أي: وادعوا أيها الناس ربكم حالة كونكم {خَوْفًا}؛ أي: خائفين من عقابه على مخالفتكم لشرعه المصلح لأنفسكم وأجسامكم، أو ذوي خوف من عقابه {وَ} حالة كونكم {طَمَعًا}؛ أي: طامعين في رحمته وإحسانه في دنياكم وآخرتكم، أو ذوي طمع في رحمته، والخوف: الانزعاج من المضار التي لا يؤمن من وقوعها، والطمع: توقع حصول الأمور المحبوبة.

فإن قلت (١): إنه تعالى قال في الآية الأولى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وقال هنا: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} وهذا من عطف الشيء على نفسه، فما فائدة ذلك؟

قلت: الفائدة فيه أن المراد بقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ}؛ أي: ليكن الدعاء مقرونا بالتضرع والإخبات، وقوله: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} أن فائدة الدعاء أحد هذين الأمرين، فكانت الآية الأولى في بيان شرط صحة الدعاء، والآية الثانية في بيان فائدة الدعاء، وقيل معناه: كونوا جامعين في أنفسكم بين الخوف والرجاء في أعمالكم كلها، ولا تطمعوا أنكم وفيتم حق الله في العبادة والدعاء، وإن اجتهدتم فيهما.

ودعاء المولى حين الشعور بالعجز والافتقار إليه مما يقوي الأمل بالإجابة، ويحول بينها وبين اليأس إذا تقطعت الأسباب، وجهلت وسائل النجاح، والدعاء مخ العبادة ولبها، وإجابته مرجوة حين استكملت شرائطها وآدابها، فإن لم تكن


(١) الخازن.