للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بإعطاء الداعي ما طلبه، فربما كانت بما يعلم الله أنه خير له منه. ثم بين فائدة الدعاء وعلل سبب طلبه، فقال: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى وثوابه {قَرِيبٌ مِنَ} عباده {الْمُحْسِنِينَ} ذكر الخبر نظرا إلى أن الرحمة بمعنى الثواب كما فسرناه كذلك؛ أي: إن رحمته تعالى قريبة من المحسنين أعمالهم بأي نوع من الأنواع كان إحسانهم، لأن الجزاء من جنس العمل كما قال: {هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (٦٠)} فمن أحسن في عبادته .. نال حسن الثواب، ومن أحسن في الدعاء .. أعطي خيرا مما طلبه، وقد طلب الإحسان في كل شيء يهدي إليه دين الفطرة، وحرم الإساءة في كل شيء، وجعل جزاءها من جنسها كما قال: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}. وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شي، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته». رواه مسلم.

وأصل الرحمة (١): رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وتستعمل تارة في الرقة المجردة، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة، وإذا وصف بها الباري جل وعز، فليس يراد بها إلا الإحسان المجرد دون الرقة، فرحمة الله عز وجل عبارة عن الإفضال والإنعام على عباده، وإيصال الخير إليهم.

وكون الرحمة قريبة من المحسنين (٢)؛ لأن الإنسان في كل ساعة من الساعات في إدبار عن الدنيا، وإقبال على الآخرة، وإذا كان كذلك كان الموت أقرب إليه من الحياة، وليس بينه وبين رحمة الله التي هي الثواب في الآخرة إلا الموت؛ وهو قريب من الإنسان.

والأحسن (٣) في علة تذكير {قَرِيبٌ} مع أن {الرحمة} مؤنثة أن يقال: تذكيره إما باعتبار أن الرحمة مجازية التأنيث، أو باعتبار أن المراد بها الثواب؛


(١) الخازن.
(٢) الخازن.
(٣) الجمل بتصرف.