للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مجوّف، وهو مع صغره يغوص خرطومه في جلد الفيل، والجاموس، والجمل، فيبلغ منه الغاية حتى إنّ الجمل يموت من قرصته.

قال القشيري - رحمه الله تعالى - (١): الخلق في التحقيق بالإضافة إلى قدرة الخالق، أقلّ من ذرّة من الهباء في الهواء، وسيّان في قدرته العرش والبعوضة، فلا خلق العرش عليه أعسر، ولا خلق البعوضة عليه أيسر، سبحانه وتقدّس عن لحوق العسر واليسر. انتهى.

أي: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لا يَسْتَحْيِي} ولا يترك {أَنْ يَضْرِبَ} ويذكر، ويبيّن للخلق {مَثَلًا ما}؛ أي: شبها ما أيّ مثل كان {بَعُوضَةً فَما فَوْقَها}؛ أي: فوق البعوضة في الذات والكبر، كالذباب والعنكبوت، أو فوقها في الغرض المقصود من التمثيل، كجناح البعوضة، أو دونها في الذات، كالذرة صغار النمل، وكيف يستحيي الله سبحانه من ذكر شيء، لو اجتمع الخلائق كلّهم على تخليقه ما قدروا عليه.

والمعنى: أنّ الله تعالى، لا يترك ضرب المثل ببعوضة فما فوقها، إذا علم أنّ فيه عبرة لمن اعتبر، وحجة على من جحد. والخلاصة: أي: إنّ الله جلّت قدرته، لا يرى من النقص أن يضرب المثل بالبعوضة فما دونها، لأنّه هو الخالق لكلّ شيء جليلا كان أو حقيرا.

وقرأ الجمهور (٢): {يَسْتَحْيِي} بياءين، والماضي استحيا، وهي لغة أهل الحجاز، واستفعل هنا جاء للإغناء عن الثلاثي المجرد، كاستنكف، واستأثر، واستبدّ، واستعبر، وهو من المعاني التي جاء لها استفعل. قال الزمخشري: يقال: حيي الرجل من الحياء، كما يقال: نسي، وخشي، فيكون استحيا على ذلك موافقا للمجرّد. وقرأ ابن كثير في رواية شبل، وابن محيصن، ويعقوب {يستحي} بياء واحدة، وهي لغة بني تميم، وبكر بن وائل، يجرونها مجرى


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.