للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لها، عناصر، وأغذية، ونطفا، ومضغا مخلّقة وغير مخلّقة؛ أي: لا ينبغي ولا يليق بكم الكفر مع وجود البرهان الساطع على الوحدانية فيكم. والأموات: جمع ميت، كأقوال جمع قيل.

قال في «الكشاف»: فإن قلت: كيف قيل لهم: أموات حال كونهم جمادا، وإنما يقال: ميت فيما تصحّ منه الحياة من البنى؟ قلت: بل يقال ذلك لعادم الحياة لقوله تعالى: {بَلْدَةً مَيْتًا}.

{فَأَحْياكُمْ} بخلق الأرواح، ونفخها فيكم في أرحام أمهاتكم، ثمّ في دنياكم. وهذا إلزام لهم بالبعث، والفاء (١) للدلالة على التعقيب، فإنّ الإحياء حاصل إثر كونهم أمواتا، وإن توارد عليهم في تلك الحالة أطوار مترتّبة بعضها متراخ عن بعض، كما أشير إليه آنفا.

ثمّ لما كان المقام في الدنيا قد يطول، جاء بثمّ الدالة على التراخي، فقال: {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء آجالكم، وكون الإماتة من دلائل القدرة ظاهر، وأمّا كونها من النعم، فلكونها وسيلة إلى الحياة الثانية التي هي الحيوان الأبدي والنعمة العظمى. {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} للسؤال في القبور، فيحيى الميت حتى يسمع خفق نعالهم إذا ولّوا مدبرين، ويقال: من ربّك؟ ومن نبيّك؟ وما دينك؟. ودلّت {ثُمَّ} التي للتعقيب على سبيل التراخي على أنّه لم يرد به حياة البعث، فإنّ الحياة يومئذ يقارنها الرجوع إلى الله بالحساب والجزاء، وتتصل به من غير تراخ. فلا يناسب {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. ودلّت الآية على إثبات عذاب القبر وراحة القبر، كما في «التيسير». ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بعد الحشر لا إلى غيره، فيجازيكم بأعمالكم إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، وإليه تنشرون من قبوركم للحساب، فما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه.

فإن قيل: إن علموا أنّهم كانوا أمواتا، فأحياهم ثمّ يميتهم، لم يعلموا أنّه يحييهم {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. قلت: تمكنهم من العلم بهما، لما نصب لهم من


(١) روح البيان.