للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدلائل منزّل منزلة علمهم في إزاحة العذر، سيّما. وفي الآية تنبيه على ما يدلّ به على صحتهما. وهو أنّه تعالى، لمّا قدر أن أحياهم أوّلا، قدر أن يحييهم ثانيا، فإنّ بدء الخلق ليس بأهون عليه من إعادته.

وحاصل المعنى على هذا التفسير الذي قرّرناه: {كُنْتُمْ أَمْواتًا}؛ أي: نطفا في أصلاب الرجال. ثُمَّ يُحْيِيكُمْ حياة الدنيا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} بعد هذه الحياة {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} في القبور {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} في القبور ثُمَّ يُحْيِيكُمْ الحياة التي ليس بعدها موت. قال القرطبي: فعلى هذا التأويل هي ثلاث موتات، وثلاث إحياءات. وكونهم موتى في ظهر آدم، وإخراجهم من ظهره والشهادة عليهم غير كونهم نطفا في أصلاب الرجال. فعلى هذا يجيء أربع موتات، وأربع إحياءات.

وقيل معنى الآية: (١) {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} وتجحدون أيّها العباد إنسكم وجنّكم {بـ} وحدانية {الله} سبحانه وتعالى، وتعبدون معه غيره، {وَ} الحال أنّه قد وجد فيكم ما يدلّ على وحدانية الله؛ لأنّكم {كُنْتُمْ أَمْواتًا}؛ أي: أجساما لا حياة لها نطفا علقا ومضغا {فَأَحْياكُمْ} بنفخ الأرواح فيكم، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} في الدنيا بقبض أرواحكم عند انقضاء آجالكم، {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} في الآخرة بالبعث والنشور. وقد ذهب إلى هذا جماعة من الصحابة، فمن بعدهم. قال ابن عطية: وهذا القول هو المراد بالآية، وهو الذي لا محيد للكفار عنه، وإذا أذعنت نفوس الكفار بكونهم كانوا معدومين، ثمّ أحياء في الدنيا، ثمّ أمواتا فيها لزمهم الإقرار بالحياة الأخرى.

وقال غيره: والحياة التي تكون في القبر على هذا التأويل في حكم حياة الدنيا.

{ثُمَّ} بعد بعثكم {إِلَيْهِ}؛ أي: إلى لقائه {تُرْجَعُونَ} وتردّون، فيجازيكم على أعمالكم إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ؛ أي: ثمّ إليه تنشرون من قبوركم للحساب.

وعبارة المراغي هنا: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ}؛ أي: على (٢) أيّ حال


(١) العمدة.
(٢) المراغي.