وينبغي له: أن يتعلّم أحكام القرآن، فيفهم عن الله مراده، وما فرض عليه، فينتفع بما يقرأ، ويعمل بما يتلوه، فما أقبح لحامل القرآن، أن يتلو فرائضه، وأحكامه عن ظهر قلب، وهو لا يفهم ما يتلوه! فكيف يعمل بما لا يفهم معناه؟ وما أقبح أن يسأل عن فقه ما يتلوه، ولا يدريه! فما مثل من هذه حالته، إلّا كمثل الحمار يحمل أسفارا.
وينبغي له: أن يعرف المكّيّ من المدني؛ ليفرّق بذلك بين ما خاطب الله به عباده في أوّل الإسلام، وما ندبهم إليه في آخر الإسلام، وما افترض الله في أوّل الإسلام، وما زاد عليهم من الفرائض في آخره، فالمدنيّ: هو الناسخ للمكّي في أكثر القرآن، ولا يمكن أن ينسخ المكيّ المدني؛ لأنّ المنسوخ هو المتقدّم في النزول قبل الناسخ له.
ومن كماله: أن يعرف الإعراب والغريب، فذلك ممّا يسهّل عليه معرفة ما يقرأ، ويزيل عنه الشكّ فيما يتلو. وقد قال أبو جعفر الطبريّ: سمعت الجرميّ يقول: أنا منذ ثلاثين سنة، أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه. قال محمد بن يزيد: وذلك أنّ أبا عمر الجرميّ، كان صاحب حديث، فلمّا علم كتاب سيبويه، تفقّه في الحديث، إذ كان كتاب سيبويه يتعلّم منه النّظر، والتفسير، ثمّ ينظر
في السّنن المأثورة، الثابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فبها يصل الطالب إلى مراد الله عزّ وجلّ في كتابه، وهي تفتح له أحكام القرآن فتحا. وقد قال الضحاك في قوله تعالى: {وَلكِنْ كُونُوا