مالك أمرنا {أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرًا}؛ أي: أصبب علينا صبرا كاملا تاما عند القطع والصلب ليكلا نرجع كفارا؛ أي: هب لنا صبرا واسعا وأكثره علينا، حتى يفيض علينا ويغمرنا، كما يفرغ الماء إفراغا، {وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ}؛ أي: أمتنا ثابتين على الإسلام، منقادين لأوامرك، مخلصين لك على دين موسى وإبراهيم، والمعنى: ربنا (١) هب لنا صبرا واسعا تفرغه علينا، وأيدنا بروحك حتى لا يبقى في قلوبنا شيء من خوف غيرك، ولا من الرجاء في سوى فضلك، وتوفنا إليك، مذعنين لأمرك ونهيك، مستسلمين لقضائك، غير مفتونين بتهديد فرعون، ولا مطيعين له في قوله ولا فعله، وقد ذكر المؤرخون قديما وحديثا أنّ المؤمنين بالله واليوم الآخر، من كل ملة ودين، يكونون أعظم شجاعة، وأكثر صبرا على مشاق الحروب من غيرهم، ومن ثم يحرص زعماء الشعوب على بث النزعة الدينية بين رجالات الجيوش، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا في أول النهار سحرة وفي آخر النهار شهداء.
قال الكلبي: إن فرعون قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم، وقال غيره إنّه لم يقدر عليهم لقوله تعالى:{فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ}.
{ثُمَّ}: حرف عطف وتراخ، {بَعَثْنا}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْبًا}. {مِنْ بَعْدِهِمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {بَعَثْنا}. {مُوسى}: مفعول به {بِآياتِنا}: جار ومجرور ومضاف إليه، حال من موسى؛ أي: حال كونه ملتبسا بآياتنا. {إِلى فِرْعَوْنَ}: جار ومجرور، متعلق بـ {بَعَثْنا}. {وَمَلَائِهِ}: معطوف على {فِرْعَوْنَ}. {فَظَلَمُوا} فعل وفاعل، معطوف على {بَعَثْنا}{بِها}: متعلق بـ {ظلموا}. {فَانْظُرْ}: {الفاء}: