وأوريته، فوجهه أن يكون من أوريت الزند، كأن المعنى: بينه لي، والمعنى هنا: سأبين لكم عاقبتها، وقرأ ابن عباس وقسامة بن زهير {سأورثكم} بالثاء المثلثة، قال الزمخشري: وهي قراءة حسنة يقويها قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ}.
وقال المراغي:{سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ}؛ أي (١): إن لم تأخذوا ما آتيناكم بقوة، وتتبعوا أحسنه .. كنتم فاسقين عن أمر ربكم، فيحل بكم ما حل بالفاسقين من قوم فرعون الذين أنجاكم الله منهم، ونصركم عليهم، وسيريكم ما حل بهم بعدكم من الغرق.
قال ابن كثير: أي سترون عاقبة من خالف أمري، وخرج عن طاعتي، كيف يصير إلى الهلاك والدمار.
قال ابن جرير: وإنّما قال: {سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ} كما يقول القائل لمن يخالفه: سؤريك غدا ما يصير إليه حال من خالف أمري، على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره، وفي الآية عبرة لمن يقرأها ويتدبر أمرها من وجوه:
١ - أن الشريعة يجب أن تتلقى بعزيمة وجد لتنفيذ ما بها من الإصلاح، وتكوين الأمة تكوينا جديدا، ومظهر ذلك الرسول المبلّغ لها والداعي إليها، والمنفذ لها بقوله وعمله، فهو الأسوة والقدوة، وهذه سنة الله في كل انقلاب وتجديد اجتماعي وسياسي، وإن لم يكن بهدى الله، فما بالك بالدين - وهو أحوج ما يكون إلى إصلاح الظاهر والباطن - وقد أخذ سلفنا الصالح القرآن بقوة بالعمل بهداية دينهم، فسادوا جميع الأمم التي كانت لها القوة الحربية والصناعية والمالية والعددية، وسعدوا به في دنياهم، وسيكونون كذلك في آخرتهم، وخلف من بعدهم خلف أعرضوا عنه، وتركوا هدايته، فشقوا في دنياهم وآخرتهم كما قال: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي