للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أنفسهم لقبولها، فأنى للقائد والمرشد أن يصلح ذلك الفساد، ويرأب ذلك الصدع، إذا لم يكن ذا عزيمة وقوة وبأس شديد وحزم في أوامره ونواهيه {وَأْمُرْ قَوْمَكَ} بني إسرائيل أن {يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها}؛ أي: بأحسن ما في تلك الألواح التي هي التوراة؛ لأنّ فيها حسنا وأحسن، كالقود والعفو، والانتصار والصبر، والمأمور به والمباح، فأمروا بما هو الأكثر ثوابا، فعلى هذا المعنى: فأفعل التفضيل على بابه وهو مثل قوله تعالى: {اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}؛ أي: أكثره أجرا، وقيل: أفعل التفضيل ليس على بابه، فمعنى: {بِأَحْسَنِها}: بحسنها إذ كل ما فيها حسن، أو يقال: أمروا فيها بالخير، ونهوا عن الشر، وفعل الخير أحسن من ترك الشر.

وقيل المعنى (١): يعملوا بمحكمها، ويؤمنوا بمتشابهها، وقال بعضهم: الحسن يدخل فيه الواجب والمندوب والمباح، وأحسن هذه الثلاثة الواجبات، والمندوبات، وقال المراغي: أي: وأمر قومك بالاعتصام بهذه الموعظة، والأحكام المفصلة في الألواح التي هي منتهى الكمال والحسن، كالإخلاص لله في العبادة، إذ يتحلى العقل، وتتزكى النفس مع ترك اتخاذ الصور والتماثيل؛ لأنّها ذرائع للشرك، وسبب للوصول إليه {سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ} قيل (٢) هي أرض مصر التي كانت لفرعون وقومه، وقيل: منازل عاد وثمود، وقيل: هي جهنم، وقال مجاهد: وهذا المعنى أحسن، وقيل منازل الكفار من الجبابرة والعمالقة ليعتبروا بها، والمعنى على هذا القول: سأدخلكم الشام بطريق الايراث، وأريكم منزال الكافرين الذيك كانوا متوطنين فيها من الجبابرة والعمالقة لتعتبروا بها، فلا تفسقوا مثل فسقهم، وقيل: الدار بمعنى الهلاك، والمعنى: سأريكم هلاك الفاسقين والخارجين عن طاعتنا كفرعون وقومه.

وقرأ الحسن (٣): {سأوريكم} بواو ساكنة بعد الهمزة، على ما يقتصيه رسم المصحف، وقال الزمخشري: وهذه لغة فاشية بالحجاز، يقال: أورني كذا


(١) المراح.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.