للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن أكل لحمه يلين القلوب القاسية.

والمعنى (١): فسهلنا عليهم الطعام والشراب على أحسن الوجوه، وكان المن يقوم مقام الخبز عندهم، ويكفي الألوف من الناس، وتقوم السماني مقام اللحوم والطيور الأخرى، وقلنا لهم {كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ}؛ أي: من مستلذات ما رزقناكم، وهو المن والسلوى، وفي ذلك تنبيه وتذكير لهم بما يجب عليهم من شكر هذه النعم، وقرأ عيسى الهمداني (٢): {من طيبات ما رزقتكم} موحدا للضمير.

والمعنى: أقصروا أنفسكم على ذلك المطعوم، ولا تطلبوا غيره، واشكروا رزق ربكم، وسئموا منه وقالوا: لن نصبر على طعام واحد، وطلبوا غيره، فظلموا أنفسهم بكفران هذه النعم {وَما ظَلَمُونا} بكفرهم بهذه النعم {وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بمخالفة ما أمروا به؛ أي: بل ظلموا أنفسهم وأضروها بهذا الجحود والكفران، وكان ذلك من دأبهم وعادتهم آنا بعد آن.

ولا شك أن من ظلم نفسه .. كان لغيره أظلم، وإن كان ظلمه لنفسه مما يجهل أنّه ظلم لها، إذ يتجلى له في صورة المنفعة، وتكون عاقبته مضرة، وهكذا الحال في جميع الظالمين والمجرمين، فهم يظنون أنّهم بظلمهم وإجرامهم ينفعون أنفسهم، جهلا منهم للعواقب، وقلة تدبر ما ينبغي أن يتفطن له.

الإعراب

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢)}.

{إِنَّ}: حرف نصب. {الَّذِينَ}: اسمها، {اتَّخَذُوا الْعِجْلَ}: فعل وفاعل ومفعول أول، والمفعول الثاني محذوف تقديره: إلها، والجملة الفعلية صلة الموصولة، {سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ}: فعل ومفعول وفاعل، {مِنْ رَبِّهِمْ}: جار


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.