تعالى واستهزاء بموسى، وهذا القول مجرد هذيان منهم، قصدهم إغاظة موسى، وليس له معنى يقابلون به معنى القول الذي قيل لهم. {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ} عقب ما فعلوا من غير تأخير {رِجْزًا}؛ أي: عذابا كائنا. {مِنَ السَّماءِ}؛ أي: طاعونا وبلاء وعذابا مقدرا من السماء. {بِما كانُوا يَظْلِمُونَ} أنفسهم؛ لأنّهم خرجوا عن طاعة الله تعالى؛ أي: بسبب ظلمهم وخروجهم عن طاعتنا، روي أنه مات منهم في ساعة واحدة أربعة وعشرون ألفا أو أقل، فهذا الوباء غير الوباء الذي حل بهم في التيه كما مر في البقرة.
تنبيه: تقدم (١) مثل هاتين الآيتين في سورة البقرة، غير أن بين الموضعين فروقا كثيرة:
منها: أنّه قال هنا: {اسكنوا القرية} وفي سورة البقرة {ادْخُلُوا} والفائدة هنا أتم؛ لأنّ السكنى تستلزم الدخول دون العكس.
ومنها: أنّه قال هنا: {وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ}، وفي سورة البقرة {فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا}، فجاء العطف هناك بالفاء؛ لأنّ بدء الأكل يكون عقب الدخول، كأكل الثمرات والفواكه التي تكون في كل ناحية من القرية، أما السكنى فأمر ممتد يكون الأكل في أثنائه لا عقبه.
كما وصف هناك الأكل بالرغد - وهو الواسع الهنىء - لأنّ الأكل في أول الدخول يكون ألذ، وبعد السكنى والإقامة لا يكون كذلك.
ومنها: أنّه قال هنا: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّدًا} وقدم هنا ما أخر هناك، وأخر ما قدمه، والواو لا تدل على طلب ترتيب بين الأمرين، فالاختلاف في التعبير دال على عدم الفرق بين تقديم هذا وتأخير ذاك، وبين عكسه، إذ لا فارق بين أن يدعوا بقولهم:{حِطَّةٌ}؛ أي: حط عنا أوزارنا وخطايانا الذي هو بمعنى قولنا: اللهم غفرانا، في حال التلبس بالتواضع والخضوع، وتنكيس الرؤوس شكرا لله على نعمه عند دخول القرية، وبين أن يبدؤوا بتنكيس الرؤوس