ومنها: أنّه قال هنا {سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} بدون واو وهناك {وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} بالعطف، والمعنى واحد، وترك الواو أدل على أن الزيادة تفضل من الله سبحانه وتعالى ليست مشاركة للمغفرة فيما جعل سببا لها من الخضوع والسجود والاستغفار، والدعاء بحط الأوزار.
ومنها: أنّه قال ههنا: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} فزيد منهم على مثله في سورة البقرة.
ومعنى تبديلهم قولا غير الذي قيل لهم: أنهم عصوا بالقول والفعل، وخالفوا الأمر مخالفة تامة لا تحتمل اجتهادا ولا تأويلا، فلم يراعوا ظاهر مدلول اللفظ، ولا الفحوى والمقصود منه، حتى كأن المطلوب منه غير الذي قيل لهم.
وما روي في الإسرائيليات من هذا التبديل من الألفاط العبرانية أو العربية، فلا ثقة به، وإن خرج بعضه في الصحيح والسنن موقوفا ومرفوعا، كحديث أبي هريرة في «الصحيحين» وغيرهما: قيل لبني إسرائيل: {ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا: {حِطَّةٌ} حبة في شعيرة، إذ هو مروي من طريق همام بن منبه - أخي وهب - وهمام، صاحب الغرائب في الإسرائيليات، وأبو هريرة لم يصرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلّم، فيحتمل أنه سمعه من كعب الأحبار، إذ ثبت أنّه روي عنه.
ومنها: أنّه قال: {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ} وقال هناك {فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ}، فالاختلاف بين الإنزال والإرسال، وهو خلاف لفظي، وبين {عَلَيْهِمْ} و {عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} وبين {يَظْلِمُونَ} و {يَفْسُقُونَ}، وفائدته بيان أنّهم كانوا يجمعون بين الظلم: الذي هو نقص للحق أو إيذاء للنفس أو للغير، والفسق: الذي هو الخروج عن الطاعة، والرجز كما تقدم العذاب الذي تضطرب له القلوب، أو يضطرب له الناس في شؤونهم ومعايشهم.