سفلتهم {عَرَضَ هذَا الْأَدْنى}؛ أي: متاع الدنيا على تحريف الكلام في صفة محمد صلى الله عليه وسلّم، وفي الأحكام، وهم يستحقرون ذلك الذنب {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا}؛ أي: يغفر الله لنا ذنبنا ولا يؤاخذنا عليه؛ لأننا أبناؤه وأحباؤه، {وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ}؛ أي: وإن يأتهم متاع مثل ما أتاهم أمس {يَأْخُذُوهُ} لحرصهم على الدنيا، أو المعنى: إنّهم يتمنون المغفرة من الله تعالى، والحال أنّهم مصرون على الذنب غير تائبين عنه.
وحاصل المعنى: أي نبتت من أولئك - الذين منهم الصالح والطالح - نابتة ورثوا التوراة؛ أي: وقفوا على ما فيها، وكانوا عالمين بأحكامها بعد أسلافهم، والحال أنّهم يؤثرون حطام الدنيا ومتاعها، بما يأكلونه من السحت والرشا، والاتجار بالدين والمحاباة في الحكم، ويقولون: سيغفر لنا ولا يؤاخذنا بما فعلنا، فإنّنا أبناء الله وأحباؤه، وسلائل أبنائه وشعبه الذي اصطفاه من سائر البشر، إلى نحو ذلك من الأماني والأضاليل، وهم بالغون في خطاياهم، مصرون على ذنوبهم، فإن يأتهم عرض آخر مثل الذي أخذوه أولا بالباطل .. يأخذوه ولا يستعففوا عنه، وهم يعلمون أن الله إنما وعد بالمغفرة للتائبين الذين يقلعون عن ذنبهم، ندما وخوفا من ربهم، ويصلحون ما كانوا قد أفسدوا، ثم رد الله عليهم ما زعموه بقولهم: سيغفر لنا، وهم مقيمون على ظلمهم وفسادهم وحبهم للدنيا فقال:{أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ} والاستفهام فيه لتقرير ما بعد النفي، ولا يخفى ما فيه من التقريع والتوبيخ؛ أي: ألم يؤخذ ويجعل عليهم في التوراة العهد المؤكد باليمين على {أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}؛ والصدق الذي بينه فيه، وقد منعوا فيها من تحريف الكتاب وتغيير الشرائع لأجل أخذ الرشوة. وللتمني، ففيه افتراء على الله تعالى، ففيها أن من ارتكب ذنبا عظيما فإنّه لا يغفر له إلا بالتوبة، {وَ} قد {دَرَسُوا ما فِيهِ}؛ أي: ما في الكتاب وقرؤوه وعلموا ما فيه، والمعنى: أنّهم تركوا العمل بالميثاق المأخوذ عليهم في الكتاب، والحال أنّهم قد درسوا ما في الكتاب وعلموه، فكان الشرك منهم عن علم لا عن جهل، والمقصود من الاستفهام التقريري: إثبات ما بعد النفي، والمعنى: قد أخذ عليهم الميثاق في الكتاب، ودرسوا ما فيه من الميثاق، وفهموا ما فيه، فهم ذاكرون لما أخذ عليهم من تحريم أكل أموال الناس بالباطل، والكذب على الله تعالى، وقيل: معنى