للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{دَرَسُوا ما فِيهِ}؛ أي: محوه بترك العمل به والفهم له، من قولهم: درست الريح الآثار، إذا محتها، ولكن فيه بعد، وقرأ علي والسلمي: {وادارسوا}، وأصله وتدارسوا، كقوله: {فَادَّارَأْتُمْ}؛ أي: تدارأتم {وَالدَّارُ الْآخِرَةُ}؛ أي: ولثواب دار الآخرة ونعميها وهو الجنة {خَيْرٌ} من تلك الرشوة الخبيثة الخسيسة، المعقبة خزي الدنيا والآخرة {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} عقاب الله، بامتثال المأمورات، واجتناب المنهيات، {أَ} تجهلون خيرية ذلك {فَلا تَعْقِلُونَ}؛ أي: فلا تعلمون أنّ الدنيا فانية والآخرة باقية، وفي هذا الاستفهام من التوبيخ والتقريع ما لا يقادر قدره، أو المعنى: أفلا يعقل هؤلاء الذين يرضون بعرض الدنيا أنّ ما في الآخرة خير وأبقى؛ لأنّها دار المتقين.

والمعنى (١): والدار الاخرة وما فيها من النعيم خير للذين يقتون المعاصي ما ظهر منها وما بطن؛ أي: خير لهم من حطام الدنيا الفاني، الذي يؤخذ بالرشا والسحت وغير ذلك، أتجهلون ذلك فلا تعقلون، وهو واضح لا يخفى على كل ذي عقل لم تطمسه الشهوات، ولم يعم بصيرته حطام الدنيا العاجل، وبذا يرجح الخير على الشر، والنعيم المقيم على المتاع الزائل، وفي هذا إيماء إلى أنّ الطمع في متاع الدنيا هو الذي أفسد على بني إسرائيل أمرهم، واستحوذ عليهم حب العاجلة، فأذهب عنهم رشدهم.

وفي هذا عبرة للمسلمين الذين سرى إليهم كثير من هذا الفساد، وغلب عليهم الطمع وحب الدنيا وعرضها الزائل، وهم قد درسوا كتابهم الكريم، لكن التحلي بلقب الإسلام - والتعلل بأماني المغفرة مع الإصرار على الذنوب اتكالا على الشفاعات والمكفرات - هو الذي غرهم وجعلهم يتمادون في غيهم، وكتابهم ينهاهم عن الأماني والأوهام، وكون الشفاعة لا تقع إلا بإذن الله تعالى لمن رضي عنه كما قال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}.

وقرأ (٢) نافع وابن عامر وحفص بالتاء على الخطاب إلتفاتا لهم، ويكون المراد إعلاما بتناهي الغضب، وتشديد التوبيخ، أو يكون خطابا لهذه الأمة؛ أي:


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط، والمراح.