للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بآياته المنزلة على رسوله، بعد أن أيدها بالأدلة العقلية والكونية، وهو مثل من آتاه الله آياته فكان عالما بها، قادرا على بيانها، والجدل بها، لكنّه لم يؤت العمل مع العلم، بل كان عمله مخالفا لعلمه فسلبها لأنّ العلم الذي لا يعمل به لا يلبث أن يزول، فأشبه الحية تنسلخ من جلدها، وتخرج منه وتتركه على الأرض.

وقال أبو حيان: مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما (١) ذكر أخذ الميثاق على توحيده تعالى وتقرير ربوبيته، وذكر إقرارهم بذلك وإشهادهم على أنفسهم .. ذكر حال من آمن به، ثم بعد ذلك كفر، كحال اليهود كانوا مقرين منتظرين بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لما اطلعوا عليه من كتب الله المنزلة، وتبشيرها به، وبذكر صفاته، فلما بعث .. كفروا، فذكروا أنّ ما صدر منهم هو طريقة لأسلافهم اتبعوها.

قوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما أمر (٢) نبيه صلى الله عليه وسلّم بأن يقص قصص المنسلخ عن آيات الله تعالى على أولئك الضالين الذين حالهم كحاله ليتفكروا فيه، ويتركوا ما هم عليه من الإخلاد إلى الضلالة، ويعودوا إلى حظيرة الحق .. أردف ذلك ببيان أنّ أسباب الهدى والضلال ينتهيان للمستعد لأحدهما إلى إحدى الغايتين بتقدير الله تعالى، والسير على سننه في استعمال مواهبه، وهداياته الفطرية من العقل والحواس في أحد السبيلين كما قال: {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) وإِمَّا شاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}.

وقال أبو حيان: مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما قدم ذكر المهتدين والضالين .. أخبر هنا أنّه هو المتصرف فيهم بما شاء من هداية وضلال. انتهى.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ...} مناسبة (٣) هذه


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.