إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤)} وفي قوله: {عِنْدَ رَبِّي} إشارة إلى أنّ ما هو من شأن الرب لا يكون للعبد، فالله قد أعد نبيه ليكون منذرا ومبشرا، والإنذار إنّما يكون بالساعة وأهوالها، لا للإخبار عن الغيوب بأعيانها وأوقاتها، إذ تحديد ذلك ينافي هذه الفائدة، بل فيه مفاسد، إذ لو وقت الرسول ميعاد الساعة بتاريخ معين لاستهزأ به المكذبون، ولألحوا في تكذيبه، وازدادوا ارتيابا، حتى إذا ما وقع الأجل وقع المؤمنون في رعب عظيم، ينغص عليهم حياتهم، ويشنج أعصابهم، فلا يستطيعون عملا، ولا يستسيغون طعاما ولا شرابا، ويسخر الكافرون من المؤمنين.
والخلاصة: أن هناك حكمة بالغة في إبهام أمر الساعة العامة للعالم، والساعة الخاصة بالأفراد والأمم والأجيال يجعلها من الغيب الذي استأثر الله تعالى به.
{لا يُجَلِّيها}؛ أي: لا يظهر أمرها الذي تسألونني عنه {لِوَقْتِها}؛ أي: في وقتها المعين لها {إِلَّا هُوَ} سبحانه وتعالى؛ أي: لا يقدر على إظهار وقتها المعين بالإخبار عنه إلا هو سبحانه وتعالى، والمعنى: لا يكشف حجاب الخفاء عنها، ولا يظهرها في وقتها المحدود عند الله تعالى، إلا هو سبحانه، إذ لا وساطة بينه وبين عباده في إظهارها، ولا في الإعلام بميقاتها، وإنّما وساطة الرسل في الإنذار بها.
{ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: ثقل وصعب تحصيل العلم بوقتها على أهل السموات والأرض، فلم يعلم أحد من الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين متى وقوعها، وقيل المعنى: ثقل وقتها، وعظم أمرها في السموات والأرض على أهلهما من الملائكة والإنس والجن؛ لأنّ الله تعالى أنبأهم بأهوالها، ولم يشعرهم بميقاتها، فهم دائما يتوقعون أمرا عظيما لا يدرون متى يفجؤهم قيامها.
وقال السدي: خفيت في السموات والأرض، فلا يعلم قيامها ملك مقرب ولا نبي مرسل. وقال ابن عباس: ليس شيء من الخلق إلا يصيبه ضرر يوم القيامة. وروي عن ابن جريج: أن ثقلها يكون يوم مجيئها {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١)