للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢)} إلى نحو ذلك مما وصفه الله تعالى من أمر قيامها {لا تَأْتِيكُمْ} الساعة أيها السائلون عنها {إِلَّا بَغْتَةً}؛ أي: إلا فجأة وحين غفلة من الخلق بلا إشعار ولا إنذار، وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته، فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه - أي يصلحه بطين وجص ليمسك الماء - فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فمه فلا يطعمها». والمراد من هذا كله أنّها تبغت الناس وهم منهمكون في أمور معايشهم.

ويجب (١) على المؤمنين أن يخافوا ذلك، وأن يحملهم ذلك على مراقبة الله تعالى في أعمالهم، بأن يلتزموا فيها الحق ويتحروا الخير، ويتقوا الشر والمعاصي، ولا يجعلوا حظهم من أمر الساعة الجدل فيها، وكثرة القيل والقال في شأنها، وفي تعيين ميقاتها، وقوله: {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها} فيه تقديم وتأخير؛ أي: يسألونك عنها كأنك حفي بها؛ أي: سألك قومك يا محمد عن حقيقة الساعة وكنهها وثقلها وشدائدها، كأنك حفي أي: عالم بها، ومتيقن لها، فعلى هذا التفسير فلا تكرار مع ما سبق؛ لأن السؤال الأول عن وقت مجيئها، وهذا الثاني عن حقيقتها وكنهها وثقلها، وقيل: السؤال هنا أيضا عن وقت مجيئها، ولكن كرره تأكيدا لما سبق، وتقريرا له. وقد يكون المعنى: يسألونك عنها كأنك حفي وشفيق بهم، وصديق لهم بينك وبينهم مودة، ويؤيد هذا ما روي عن ابن عباس قال: لما سأل الناس النبي صلى الله عليه وسلّم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأن محمدا حفي بهم؟

فأوحى الله إليه: «إنما علمها عنده استأثر به، فلا يطلع عليه ملكا مقربا ولا رسولا» وما روي عن قتادة قال: قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلّم: إن بيننا وبينك قرابة. فأشر إلينا متى الساعة، فقال: الله عز وجل: {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها}.

وقرأ عبد الله (٢): {كأنك حفي بها} بالباء مكان عن؛ أي: عالم بها، بليغ


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.