للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خلق آدم وذريته على سبيل الإجمال، أراد أن يفصّل، فبين لهم من فضل آدم ما لم يكن معلوما لهم، وذلك بأن علّمه الأسماء؛ ليظهر فضله وقصورهم عنه في العلم، فأكّد الجواب الإجمالي بالتفصيل، ولا بد من تقدير جملة محذوفة قبل هذا؛ لأنه بها يتمّ المعنى ويصحّ هذا العطف، تقديرها: فجعل في الأرض خليفة، ولما كان لفظ الخليفة محذوفا مع الجملة المقدرة، أبرزه في قوله: {وَعَلَّمَ آدَمَ} ناصّا عليه ومنوّها بذكره باسمه، وأبعد من زعم: أنّ وعلّم آدم معطوف على قوله قالَ من قوله تعالى:

{وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ} وهل التعليم بتكليم الله تعالى له في السماء، كما كلم موسى في الأرض، أو بواسطة ملك، أو بالإلهام (١) أقوال أظهرها: أن الباري سبحانه هو المعلم، لا بواسطة، ولا إلهام. وقرأ اليمانيّ، ويزيد اليزيديّ {وَعَلَّمَ آدَمَ} مبنيا للمفعول، وحذف الفاعل؛ للعلم به. والتضعيف في علّم؛ للتعدية، إذ كان قبل التضعيف يتعدى لواحد، فعدّي به إلى اثنين، وليست التعدية بالتضعيف مقيسة، إنما يقتصر فيه على مورد السماع، سواء كان الفعل قبل التضعيف لازما، أم كان متعديا، نحو: علّم المتعدية إلى واحد، وأما إن كان متعديا إلى اثنين، فلا يحفظ في شيء منه التعدية بالتضعيف إلى ثلاثة.

فصل في قصة خلق آدم عليه السلام

قال وهب بن منبه (٢): لما أراد الله أن يخلق آدم، أوحى إلى الأرض؛ أي: أفهمها وألهمها أني جاعل منك خليفة، فمنهم من يطيعني فأدخله الجنة، ومنهم من يعصيني فأدخله النار، فقالت الأرض: مني تخلق خلقا يكون للنار؟ قال: نعم، فبكت فانفجرت منها العيون إلى يوم القيامة، وبعث إليها جبريل عليه السلام؛ ليأتيه بقبضة من زواياها الأربع، من أسودها، وأبيضها، وأحمرها، وأطيبها، وأخبثها، وسهلها، وصعبها، وجبلها، فلما أتاها جبريل ليقبض منها، قالت الأرض: بالله الذي أرسلك، لا تأخذ مني شيئا، فإن منافع التقرب إلى


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.