للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بشأنك ملتبسين {بِحَمْدِكَ} وثنائك على ما أنعمت به علينا، من فنون النعم التي من جملتها، توفيقنا لهذه العبادة، فالتسبيح؛ لإظهار صفات الجلال، والحمد؛ لتذكير صفات الإنعام {وَنُقَدِّسُ} تقديسا {لَكَ}؛ أي: نصفك بما يليق بك، من العلوّ والعزة، وننزهك عما لا يليق بك، فاللام للبيان، كما في سقيا لك، متعلقة بمصدر محذوف، ويجوز أن تكون مزيدة؛ أي: نقدسك. قال في «التّيسير» التسبيح: نفي ما لا يليق به، والتقديس: إثبات ما يليق به، وكأنّه قيل: أتستخلف من شأن ذريته الفساد، مع وجود من ليس من شأنه ذلك أصلا، والمقصود: عرض أحقيتهم منهم بالخلافة، والاستفسار عما رجح بني آدم عليهم مع ما هو متوقّع منهم من الفساد، وكأنه قيل: فماذا قال الله تعالى حينئذ؟ فقيل: {قالَ} الله سبحانه وتعالى جوابا لهم {إِنِّي أَعْلَمُ} من المصلحة في استخلاف آدم {ما لا تَعْلَمُونَ} ـه؛ لأنه قد يكون من ذريته الطائع والعاصي، فيظهر الفضل والعدل، وقد يكون منهم من يسبحني، ويقدسني، ويحمدني، فلا تعترضوا على حكمي وتقديري، ولا تستكشفوا عن غيبة تدبيري، فليس كلّ مخلوق يطلع على غيب الخالق، ولا كلّ أحد من الرعية يقف على سرّ الملك، وقالت الملائكة فيما بينهم: لن يخلق ربنا خلقا أكرم عليه منا، ولا أعلم؛ لسبقنا له، ورؤيتنا ما لم يره، فخلق الله آدم من أديم الأرض؛ أي: ترابها، وسواه ونفخ فيه من روحه، فصار حيوانا حساسا بعد أن كان جمادا {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها} (١)؛ أي: خلق في قلبه علما بأسماء كل ما خلق، من أجناس المحدثات بجميع اللغات المختلفة التي يتكلّم بها أولاد آدم اليوم، بعد أن عرض عليه المسميات، كما عرضها على الملائكة، فعلم المسميات مشترك بينه وبينهم، واختصاصه عنهم إنما هو بالأسماء، فكان يعرف أن هذا الجرم يسمى بكذا، وهم يعرفون الجرم ولا يعرفون اسمه، ففاق عليهم بعلم الأسماء.

والحاصل: أنه سبحانه وتعالى، لما أخبر (٢) الملائكة عن وجه الحكمة في


(١) العمدة.
(٢) البحر المحيط.