للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{أَتَجْعَلُ فِيها}؛ أي: أتجعل يا إلهنا في الأرض خليفة {مَنْ يُفْسِدُ فِيها} بالمعاصي بمقتضى القوة الشهوانية، كما أفسدت الجن، وفائدة تكرار الظرف؛ تأكيد الاستبعاد {وَيَسْفِكُ الدِّماءَ} بمقتضى القوة الغضبية؛ أي: يصبّ الدماء ظلما، كما سفك بنو الجان، فغفلوا عن مقتضى القوة العقلية التي يحصل بها الكمال والفضل، والتعبير عن القتل بسفك الدماء؛ لما أنه أقبح أنواع القتل وقرأ الجمهور (١): {وَيَسْفِكُ} بكسر الفاء ورفع الكاف، وقرأ أبو حيوة، وابن أبي عبلة بضم الفاء، وقرىء {وَيَسْفِكُ} من أسفك الرباعي {ويَسْفِكُ} من سفّك المشدد، وقرأ ابن هرمز {وَيَسْفِكُ} بنصب الكاف، فمن رفع الكاف عطف على يفسدوا ومن نصب، فقال المهدوي: هو نصب في جواب الاستفهام، وهو تخريج حسن.

وفي قوله: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} إيماء (٢) إلى أن ملائكة الأرض هم الطاعنون، إذ الظن لا يصدر إلا ممن هو في معرض ذلك المنصب، وأهل السموات مدبّرات للعالم العلوي، فما قالت الملائكة الأرضية إلا بمقتضى نشأتهم التي هم عليها، من غبطة منصب الخلافة في الأرض، والغيرة على منصب ملكهم وتعبّدهم، بما هم عليه من التسبيح والتقديس، فكلّ إناء يترشّح بما فيه، وأما الاعتراض على فعل الحكيم، والنزاع في صنعه عند حضرته، فمعفو عنه؛ لكمال حكمته، وفي «الفتوحات»: إن هاروت وماروت من الملائكة الذين نازعوا آدم، ولأجل هذا ابتلاهما الله تعالى بإظهار الفساد، وسفك الدماء، فافهم سرّ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «دع الشّماتة عن أخيك، فيعافيه الله تعالى، ويبتليك» وأيضا من تلك الملائكة الطاعنين بسفك الدماء: الملائكة التي أرسلها الله تعالى نصرة للمجاهدين، وسفك الدماء غيرة على دين الله وشرعه، كذا في «حل الرموز وكشف الكنوز».

{وَنَحْنُ}؛ أي: والحال إنّا {نُسَبِّحُ}؛ أي: ننزهك عن كل ما لا يليق


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.