الحزن تسعا وثلاثين سنة، ثم أمطر عليه مطر السرور سنة واحدة؛ فلذلك كثرت الهموم في بني آدم، ولكن يصير عاقبتها إلى الفرح، كما قيل: إن لكل بداية نهاية، وإنّ مع العسر يسرا.
وكانت الملائكة يمرون عليه، ويتعجبون من حسن صورته، وطول قامته؛ لأن طوله كان خمس مئة ذراع، الله أعلم بأيّ ذراع، وكان رأسه يمسّ السماء، ولم يكونوا رأوا قبل ذلك صورة تشابهها، فمرّ به إبليس فرآه، ثم قال: لأمر ما خلقت، ثم ضربه بيده فإذا هو أجوف، فدخل من فيه وخرج من دبره، وقال لأصحابه الذين معه من الملائكة: هذا خلق أجوف لا يثبت ولا يتماسك، ثم قال لهم: أرأيتم إن فضّل هذا عليكم ما أنتم فاعلون. قالوا: نطيع ربنا، فقال إبليس في نفسه: والله لا أطيعه إن فضّل عليّ، ولئن فضّلت عليه لأهلكنه، وجمع بزاقه في فمه وألقاه عليه، فوقع بزاق اللعين على موضع سرة آدم عليه السلام، فأمر الله جبريل، فقور بزاق اللعين من بطن آدم، فحفرة السرة من تقوير جبريل، وخلق الله من تلك القوارة كلبا، وللكلب ثلاث خصال، فأنسه بآدم؛ لكونه من طينه، وطول سهره في الليل؛ من أثر مس جبريل عليه السلام، وعضه الإنسان، وغيره، وأذاه من غير خيانة من أثر بزاق اللعين، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة، وسمي بآدم؛ لكونه من أديم الأرض؛ لأنه مؤلّف من أنواع ترابها، ولمّا أراد الله سبحانه أن ينفخ فيه الروح، أمره أن يدخل فيه، فقال: الروح موضع بعيد القعر، مظلم المدخل، فقال له: ثانيا: أدخل، فقال كذلك، فقال له ثالثا:
فقال كذلك، فقال: أدخل كرها؛ أي: بلا رضى، واخرج كرها، ولذا لا يخرج من البدن إلا كرها، فلما نفخه فيه مرّ في رأس آدم، وجبينه، وأذنيه، ولسانه، ثم مرّ في جسده كله حتى بلغ قدميه، فلم يجد منفذا، فرجع إلى فخذيه، فعطس، فقال له ربّه: قل الحمد لله رب العالمين، فقالها آدم، فقال سبحانه له: يرحمك الله، ولذا خلقتك يا آدم، فلما انتهى إلى ركبتيه أراد الوثوب فلم يقدر فلما بلغ قدميه وثب، فقال تعالى:{وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا} فصار بشرا لحما ودما، وعظاما وعصبا، وأحشاء، ثم كساه لباسا من ظفر يزداد جسده في كل يوم، وهو في ذلك منتطق متوج، وجعل في جسده تسعة أبواب، سبعة في رأسه، أذنين يسمع بهما،