للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعينين يبصر بهما، ومنخرين يجد بهما كل رائحة، وفما فيه لسان يتكلم به، وحنك يجد به طعم كل شيء، وبابين في جسده وهما قبله ودبره، يخرج منهما ثفل طعامه وشرابه، وجعل عقله في دماغه، وشرهه في كليتيه، وغضبه في كبده، وشجاعته في قلبه، ورغبته في رئته، وضحكه في طحاله، وفرحه وحزنه في وجهه، فسبحان من جعله يسمع بعظم، ويبصر بشحم، وينطق بلحم، ويعرف بدم، فلما سوّاه ونفخ فيه من روحه علّمه أسماء الأشياء كلها؛ أي: ألهمه، فوقع في قلبه فجرى على لسانه بما في قلبه

بتسمية الأشياء من عنده، فعلمه جميع أسماء المسميات بكل اللّغات، بأن أراه الأجناس التي خلقها، وعلمه أن هذا اسمه فرس، وهذا اسمه بعير، وهذا اسمه كذا، وعلّمه أحوالها وما يتعلّق بها من المنافع الدينية والدنيوية، وعلمه أسماء الملائكة، وأسماء ذريته كلهم، وأسماء الحيوانات والجمادات وصنعة كل شيء، وأسماء المدن والقرى، وأسماء الطير والشجر وما يكون، وكل نسمة يخلقها إلى يوم القيامة، وأسماء المطعومات والمشروبات، وكل نعيم في الجنة، وأسماء كل شيء حتى القصعه والقصيعة، وحتى الجنّة والمحلب - والقصعة إناء الأكل معروف، والقصيعة تصغيرها يعني: حتى الوضيع والحقير، والجنة الترس، والمحلب إناء يحلب فيه.

وفي الخبر: لما خلق الله آدم، بثّ فيه أسرار الأحرف، ولم يبث في أحد من الملائكة، فخرجت الأحرف على لسان آدم بفنون اللغات، فجعلها الله صورا له ومثلت له بأنواع الأشكال. وفي الخبر: علّمه سبعمائة ألف لغة، فلما وقع في أكل الشجرة سلب اللغات إلا العربية، فلما اصطفاه بالنبوة رد الله عليه جميع اللغات، فكان من معجزاته، تكلمه بجميع اللغات المختلفة التي يتكلّم بها أولاده إلى يوم القيامة، من العربية، والفارسية، والرومية، والسريانية، واليونانية، والعبرانية، والزنجية، والآراميّة، وغيرها.

قال بعض المفسرين: علم الله آدم ألف حرفة من المكاسب، ثم قال: قل لأولادك: إن أردتم الدنيا فاطلبوها بهذه الحرف، ولا تطلبوها بالدين وأحكام الشرائع. وكان آدم حراثا؛ أي: زراعا، ونوح نجارا، وإدريس خياطا، وصالح تاجرا، وداود زرّادا، وسليمان كان يعمل الزنبيل في سلطنته، ويأكل من ثمنه ولا