قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء .. أبكي، وإن لم أجد بكاءً .. تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرةٍ قريبةٍ منه - وأنزل الله عز وجل:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}.
وفي هذا الحديث تصريحٌ بأنَّ الذين طلبوا منه - صلى الله عليه وسلم - اختيار الفداء كثيرون، وإنما ذكر في أكثر الرويات أبو بكر رضي الله عنه؛ لأنَّه أول من أشار بذلك، ولأنه أكبرهم مقامًا، وروى ابن المنذر عن قتادة قال: أراد أصحاب محمدٍ الفداء يوم بدر، ففادوهم بأربعة آلاف "أربعة آلاف درهم".
قوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨)} سبب نزولها (١): ما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لم تحلَّ الغنائم لأحد سود الرؤوس من قبلكم، كانت تنزل نار من السماء فتأكلها"، فلمَّا كان يوم بدر .. وقعوا في الغنائم قبل أن تحل لهم، فأنزل الله {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨)} إلى آخرِ الآيتين.
قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى ...} الآية، روى الحاكم والبيهقي في "سننه" وغيرها عن عائشة رضي الله عنها أن هذه الآية نزلت في العباس وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث، وكان العباس أسيرًا يوم بدر ومعه عشرون أوقية من الذهب أخرجها ليطعم الناس، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا الطعام لأهل بدر، فلم تبلغه النوبة حتى أسر، فقال العباس: كنت مسلمًا إلا أنهم أكرهوني، فقال عليه الصلاة والسلام: "إن يكن ما تذكره حقًّا .. فالله يجزيك، فأما ظاهر أمرك .. فقد كان علينا" قال العباس: فكلمت رسول الله أن يرد ذلك الذهب عليَّ، فقال: "أمَّا شيء أخرجت لتستعين به علينا .. فلا"، قال وكلَّفني رسول الله فداء ابن أخي عقيل بن أبي طالب عشرين أوقية، وفداء نوفل بن