إِلَّا إِبْلِيسَ؛ أي: ما سجد؛ لأنه خلق من النار، والنار من شأنها الاستكبار، وطلب العلو طبعا، وسمي إبليس؛ لأنه أبلس من رحمة الله؛ أي: أيس.
وللعلماء في هذا الاستثناء قولان:
القول الأول: أنه استثناء متصل؛ لأن إبليس كان جنيا واحدا بين أظهر الألوف من الملائكة، مغمورا بهم، متصفا بصفاتهم، فغلبوا عليه في قوله:{فَسَجَدُوا} ثم استثني منهم استثناء واحد منهم، وأكثر المفسرين: أن إبليس من الملائكة؛ لأن خطاب السجود كان مع الملائكة، فعلى هذا كان منهم ثم أبلس وغضب عليه، ولعن، فصار شيطانا. قال البغوي: وهو الأصح وعليه الجمهور، وابن عباس، وابن مسعود، وابن المسيب، وغيرهم. قال في «التيسير»: أما وصف الملائكة بأنهم لا يعصون ولا يستكبرون، فذلك دليل تصوّر العصيان منهم، ولولا التصوّر لما مدحوا به، لكن طاعتهم طبع، وعصيانهم تكلّف، وطاعة البشر تكلّف، ومتابعة الهوى منهم طبع، ولا يستنكر من الملائكة تصوّر العصيان، فقد ذكر من هاروت وماروت ما ذكر.
والقول الثاني: أنه منقطع؛ لأنه لم يكن من الملائكة، بل كان من الجن بالنص، قال تعالى:{كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} وروى ابن مسعود، وشهر بن حوشب. أنه من الجن الذين كانوا في الأرض، وقاتلتهم الملائكة فسبوه صغيرا، وتعبّد مع الملائكة، وخوطب معهم. وعن الحافظ: أن الجن والملائكة جنس واحد، فمن طهر منهم فهو ملك، ومن خبث فهو شيطان، ومن كان بين بين فهو جن {أَبى}؛ أي: امتنع عما أمر به من السجود والإباء إمتناع باختيار {وَاسْتَكْبَرَ}؛ أي: تعظم وأظهر كبره، ولم يتخذه وصلة في عبادة ربه، أو تعظيمه، وتلقيه بالتحية والتكبر، أن يرى الرجل نفسه أكبر من غيره، والاستكبار طلب ذلك بالتشبّع؛ أي: بالتزين بالباطل وبما ليس له، ولكن السين هنا للمبالغة لا للطب، وتقديم الإباء على الاستكبار مع كونه مسبّبا عنه؛ لظهوره ووضوح أثره، فعطفه عليه من عطف العلة على المعلول؛ أي: أبى وامتنع لكبره، كما في «الصاوي».