للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قالوا (١): لما سجد الملائكة، امتنع إبليس ولم يتوجه إلى آدم، بل ولّاه ظهره وانتصب هكذا، إلى أن سجدوا وبقوا في السجود مائة سنة، وقيل:

خمسمائة سنة ورفعوا رؤوسهم، وهو قائم معرض لم يندم من الامتناع، ولم يعزم على الاتباع، فلمّا رأوه عدل ولم يسجد، وهم وفّقوا للسجود، سجدوا لله تعالى ثانيا، فصار لهم سجدتان، سجدة لآدم، وسجدة لله تعالى، وإبليس يرى ما فعلوه وهذا إباؤه، فغيّر الله تعالى صفته، وحالته، وصورته، وهيئته، ونعمته، فصار أقبح من كل قبيح، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} قال بعضهم: جعل ممسوخا على مثال جسد الخنازير، ووجهه كالقردة، وللشيطان نسل وذرية، والممسوخ وإن كان لا يكون له نسل، لكن لما سأل النظرة وأنظر، صار له نسل. وفي الخبر: قيل له من قبل الحق: اسجد لقبر آدم أقبل توبتك، وأغفر معصيتك، فقال: ما سجدت لقالبه وجثته، فكيف أسجد لقبره وميتته. وفي الخبر أيضا: إن الله تعالى يخرجه على رأس مائة ألف سنة من النار، ويخرج آدم من الجنة، ويأمره بالسجود لآدم فيأبى، ثم يرد إلى النار.

{وَكانَ} إبليس اللعين {مِنَ الْكافِرِينَ}؛ أي: في علم الله تعالى، أو صار منهم باستقباحه أمر الله إياه بالسجود لآدم، اعتقادا بأنه أفضل منه، والأفضل لا يحسن أن يؤمر بالتخضع للمفضول والتوصل به، كما أشعر به قوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} جوابا لقوله تعالى: {ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ} لا بترك الواجب وحده، وإنما قال: {مِنَ الْكافِرِينَ} ولم يكن حينئذ كافر غيره؛ لأنه كان في علم الله أن يكون بعده كفار، فذكر أنه كان من الكافرين؛ أي: من الذين يكفرون بعده، وهذا كما في قوله: {فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ} وقال (٢) أبو العالية: {مِنَ الْكافِرِينَ}؛ أي: من العاصين، وصلة (أل) هنا ظاهرها الماضي؛ أي: من الذين كفروا، فيكون قد سبق إبليس كفار، وهم الجن الذين كانوا في الأرض، أو يكون إبليس أول من كفر مطلقا، إذ لم يصح أنه كان كفار


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.