وتحريكه لما يخاطب به، إذ هو من الأمور التي ينبغي أن يجعل لها البال، وهو الأمر بسكنى الجنة. قالوا: ومعنى الأمر هنا: إباحة السكنى والإذن فيها مثل: {وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا}{فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}؛ لأن الاستقرار في المواضع الطيبة لا يدخل تحت التّعبّد.
قال القرطبي في «تفسيره»: لا خلاف أنّ الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة، وبعد إخراجه قال:{يا آدَمُ اسْكُنْ}؛ أي؛ أقم وامكث، ولازم الجنة، واتخذها مسكنا لك، وهو محل السكون، وليس المراد به ضدّ الحركة، بل اللّبث والاستقرار و {أَنْتَ} تأكيد للضمير المستكن في {اسْكُنْ} وهذا أحد المواضع التي يستكن فيها الضمير وجوبا {وَزَوْجُكَ} معطوف على ذلك الضمير المستكن، وحسن العطف عليه تأكيده بأنت، كما هو مذكور في محله؛ أي: اسكن أنت وزوجك حواء {الْجَنَّةَ} يقال للمرأة الزوج والزوجة، والزوج أفصح، كما في «تفسير أبي الليث» وإنما لم يخاطبهما أوّلا؛ تنبيها على أنه المقصود بالحكم، والمعطوف عليه تبع له، والجنة هي دار الثواب بإجماع المفسرين، خلافا لبعض المعتزلة، والقدرية، حيث قالوا: المراد بالجنة بستان كان في أرض فلسطين، أو بين فارس وكرمان، خلقه الله تعالى امتحانا لآدم، وأوّلوا الهبوط بالانتقال منه إلى أرض الهند، كما في قوله تعالى:{اهْبِطُوا مِصْرًا}، وفيه نظر؛ لأن الهبوط قد يستعار للانتقال إذا ظهر امتناع حقيقته وابتعادها، وهناك ليس كذلك، وقوله:{وَقُلْنا يا آدَمُ} هو من خطاب الأكابر والعظماء، فأخبر الله تعالى عن نفسه بصيغة الجمع؛ لأنه ملك الملوك؛ أي: اتّخذا جنة الخلد مأوى ومنزلا كلّها، وسمي آدم؛ لأنه خلق من أديم الأرض؛ أي: ترابها، كما مر. وسميت زوجه حوّاء؛ لأنها خلقت من حي؛ لأنها خلقت من ضلع آدم الأيسر، فلذا كان كل إنسان ناقصا ضلعا من الجانب الأيسر، فجهة اليمين أضلاعها ثمانية عشر، وجهة اليسار أضلاعها سبعة عشر.
واختلفوا (١) في خلق حواء: هل كان قبل دخول الجنة أو بعده؟ ويدل على