للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأول: ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه بعث الله جندا من الملائكة، فحملوا آدم وحواء على سرير من الذهب مكلل بالياقوت، واللؤلؤ، والزمرد، وعلى آدم منطقة مكللة بالدر والياقوت. حتى أدخلوهما الجنة، ويدل على الثاني: ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه لما خلق الله الجنة، وأسكن فيها آدم، بقي فيها وحده، فألقى الله عليه النوم، ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من الجانب الأيسر، ووضع مكانه لحما، فخلق منه حواء. ومن الناس من قال: لا يجوز أن يقال خلقت حواء من ضلع آدم؛ لأنه يكون نقصانا منه، ولا يجوز القول بنقص الأنبياء. قلنا: هذا نقص منه صورة، تكميل له معنى؛ لأنه جعلها سكنه وأزال بها وحشته، وحزنه، فلما استيقظ وجدها عند رأسه قاعدة، فسألها من أنت؟ فقالت: إني امرأة، فقال: ولم خلقت، قالت: لتسكن إليّ، وأسكن إليك، فقالت الملائكة: يا آدم! ما اسمها؟ قال: حواء، قالوا: ولم؟

قال: لأنها خلقت من حي، أو لأنها أصل كل حي، أو لأنها كانت في ذقنها حوّة؛ أي: حمرة مائلة إلى السواد، وقيل: في شفتها، وسميت مرأة؛ لأنها خلقت من المرء، كما أن آدم سمي بآدم؛ لأنه خلق من أديم الأرض، وعاشت بعد آدم سبع سنين وسبعة أشهر، وعمرها تسعمائة وسبع وتسعون سنة.

واعلم: أن الله تعالى، خلق واحدا من أب دون أم وهو حواء، وآخر من أم دون أب وهو عيسى، وآخر من أب وأم وهم أولاد آدم، وآخر من غير أب وأم وهو آدم عليه السلام، فسبحان من أظهر من عجائب صنعه ما يتحيّر فيه العقول.

ثم اعلم (١): أن الله تعالى، خلق حواء لأمر تقتضيه الحكمة؛ ليدفع آدم وحشته بها لكونها من جنسه؛ وليبقي الذرية على ممر الأزمان والأيام إلى ساعة القيام، فإن بقاءها سبب لبعثه الأنبياء، وتشريع الشرائع والأحكام، ونتيجة لأمر معرفة الله تعالى، فإن الله تعالى خلق الخلق لأجلها.

وفي الزوجية منافع كثيرة دينية، ودنيوية، وأخروية، ولم يذكر الله تعالى في


(١) روح البيان.