كتابه من الأنبياء إلا المتزوجين، وقالوا إن يحيى عليه السلام، قد تزوج لنيل الفضل وإقامة السنة، ولكن لم يجامع؛ لكون ذلك عزيمة في تلك الشريعة، ولذلك مدحه الله تعالى بكونه حصورا. وفي «الأشباه» ليس لنا عبادة شرعت من عهد آدم إلى الآن، ثم تلك العبادة تستمر في الجنة إلا الإيمان والنكاح. قيل: فضل المتأهل على العزب، كفضل المجاهد على القاعد، وركعة من المتأهل أفضل من سبعين ركعة من عزب، هذا كله لكون التزوج سببا لبقاء النسل، وحفظا من الزنا، والترغيب في النكاح يجري إلى ما يجاوز المائة الأولى من الألف الثاني، كما قال صلّى الله عليه وسلّم:«إذا أتى على أمتي مائة وثمانون سنة بعد الألف، فقد حلّت العزوبة، والعزلة، والترهب على رؤوس الجبال»، وذلك لأن الخلق في المائتين أهل الحرب والقتل، فتربية جرو حينئذ خير من تربية ولد، وأن تلد المرأة حيّة خير من أن تلد الولد.
{وَكُلا} أنتما {مِنْها}؛ أي: من ثمار الجنة. وجّه الخطاب (١) إليهما؛ إيذانا بتساويهما في مباشرة المأمور به، فإن حواء أسوة له في الأكل بخلاف السكن فإنها تابعة له فيها، ثمّ معنى الأمر بهذا والشغل به مع أنه اختصّه واصطفاه، وللخلافة أبداه أنه مخلوق، والذي يليق بالخلق هو السكون بالخلق، والقيام باستجلاب الحظّ؛ أي: وكلا أنتما من ثمار الجنة أكلا {رَغَدًا}؛ أي: أكلا واسعا رافها بلا تقدير، ولا تقتير {حَيْثُ شِئْتُما}؛ أي: من أيّ مكان من الجنة شئتما وأردتما الأكل منه، وسّع عليهما؛ إزاحة للعلّة والعذر، في التناول من الشجرة المنهي عنها من بين أشجارها الفائتة للحصر.
فإن قلت: لم قال هنا {وَكُلا} بالواو وفي الأعراف {فَكُلا} بالفاء؟
قلت: لأن اسكن معناه هنا استقر، لكون آدم وحواء كانا في الجنة، والأكل يجامع الاستقرار غالبا، فلهذا عطف بالواو الدالّة على الجمع والمعنى، اجمعا بين الأكل وبين الاستقرار، وفي الأعراف معناه ادخل، لكونهما، كانا