للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في "الفتوحات القيومية".

وقال أبو حيان (١): وألا هنا حرف عرض وهو الطلب برفق ولين ومعناه هنا: الحض على قتالهم، وزعموا أنها مركبةٌ من همزة الاستفهام ولا النافية، فصار فيها معنى التحضيض اهـ وليس هذا الزعم بشيءٍ يعتد.

فالمعنى: (٢) قاتلوا قومًا اجتمعت فيهم أسبابٌ ثلاثةٌ، كل منها يقتضي قتالهم، فما بالكم باجتماعها؟ وهي نقض العهد، وإخراج الرسول، وقتال حلفائكم {وَهَمُّوا}؛ أي: أرادوا {بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} الكريم محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، من مكة، لكن لم يخرجوه، بل خرج باختياره بإذن الله تعالى له في الهجرة {وَهُمْ بَدَءُوكُمْ} أيها المؤمنون بالقتال {أَوَّلَ مَرَّةٍ}؛ أي: والحال أنهم بدؤوكم بالقتال يوم بدر أول مرة؛ لأنهم حين سلمت العير، قالوا لا ننصرف حتى نستأصل محمدًا ومن معه، أبو بدؤوا بقتال خزاعة، حلفاء النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن إعانة بني بكر عليهم بالسلاح قتالٌ معهم، فالإعانة على القتال تسمى قتالًا وقرأ زيد بن عليّ {بدوكم} بوزن رموكم: بغير همزٍ ووجهه: أنه سهل الهمزة من بدأت بإبدالها ياءً، كما قالوا في قرأت قريت، فصار كرميت، فلما أسند الفعل إلى واو الضمير سقطت، فصار بدوكم كرموكم، ذكره أبو حيان في "البحر" والاستفهام في قوله: {أَتَخْشَوْنَهُمْ} للتوبيخ والتقريع؛ أي: أتخافون أيها المؤمنون أن ينالكم منهم مكروه، حتى تتركوا قتالهم لهذه الخشية، ثم بين ما يجب أن يكون الأمر عليه فقال: {فَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {أَحَقُّ} وأجدر وأولى {أَنْ تَخْشَوْهُ} في ترك أمره، وقوله: {أَنْ تَخْشَوْهُ} بدل اشتمال من لفظ الجلالة الواقع مبتدأً؛ أي: فخشية الله تعالى أحق وأولى لكم من خشيتهم {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ أي: مذعنين بأنه تعالى هو الضار النافع فاخشوه، ومن خشيتكم له أن تقاتلوا من أمركم بقتالهم.

وحاصل المعنى: أي قاتلوا هؤلاء المشركين لأسبابٍ ثلاثة:

١ - أنهم نكثوا الأيمان التي حلفوها لتأكيد عهدهم الذي عقدوه مع النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.