{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}؛ أي: من الذين أعطوا التوراة والإنجيل وهم اليهود والنصارى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}؛ أي: قاتلوهم حتى يعطوا الجزية، أو يسلموا؛ أي: حتى يقبلوا إعطاء الجزية لكم، والمراد بإعطائها التزامها بالعقد. وإن لم يجىء وقت دفعها، ذكره في "الفتوحات". والجزية: هي ما يعطي المعاهد من أهل الكتاب على عهده، وهي الخراج المضروب على رقابهم، سميت جزية للاجتزاء بها في حقن دمائهم {عَنْ يَدٍ}؛ أي: عن قهر وغلبة يقال لكل من أعطى شيئًا كرهًا من غير طيب نفس: أعطى عن يد، وقال ابن عباس: يعطونها بأيديهم، ولا يرسلون بها على يد غيرهم؛ أي: حتى يعطوها عن يد إلى يد نقدًا، غير نسيئةً، لا مبعوثًا على يد أحد، ولكن عن يد المعطي إلى يد الآخذ، وقيل: يعطونها مع إقرارهم بإنعام المسلمين عليهم بقبولها منهم، لأن ترك أروحهم عليهم بقبول الجزية ومنهم نعمة عظيمة {وَهُمْ صَاغِرُونَ}؛ أي: والحال أنهم أذلاء مقهورون، منقادون لحكم الإسلام، يجرون إلى الموضع الذي يقبض منهم فيه بالعنف، حتى يؤدوها عن يدهم.
وحاصل معنى الآية (١): قاتلوا أهل الكتاب إذ هم جمعوا أربع صفات، هي العلة في عدواتهم للإسلام، ووجوب خضوعهم لحكمه ما داموا في دار الإسلام، إذ لو أجيز لهم حمل السلاح .. لأفضى ذلك إلى قتال المسلمين في دارهم ومساعدة من يهاجمهم فيها، كما فعل يهود المدينة وما حولها بعد تأمين النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم وجعلهم حلفاء له، وأجاز لهم الحكم فيما بينهم بشرعهم، وسمح لهم بالعبادة على النحو الذي يريدون، وكذلك فعل مع نصارى الروم في حدود البلاد العربية.
وهذه الأمور الأربعة التي أسند إليهم تركها، هي أصول كل دين إلهي، ومن ثم، أمر بقتال الذين لا يقيمونها، وهي:
١ - أنهم {لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} وقد شهد القرآن بأنَّ اليهود والنصارى فقدوا