جعل له يوم القيامة صفائح من نار، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره" وروى عنه "من آتاه الله مالًا، فلم يؤدِّ زكاته ... مثل له شجاع - ذكر الحيات - أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، فيأخذ بلهزمتيه - العظمان الناتئان تحت الأذنين - يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا - صلى الله عليه وسلم -: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} " وتقول لهم ملائكة العذاب الذين يتولون كيهم توبيخًا لهم: {هَذَا} الكي جزاء {مَا كَنَزْتُمْ} وجمعتم في الدنيا لمنفعة أنفسكم، فكان اليوم سبب مضرتها، وتعذيبها أو هذا الميسم الذي تكوون به، هو المال الذي كنزتموه لأنفسكم، لتنفردوا بالتمتع به، {فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}؛ أي: فذوقوا العذاب بسبب ما كنتم تكنزونه وتجمعونه من الأموال، هذا إن قلنا {مَا} موصولة ويصح كونها مصدرية؛ أي: فذوقوا وبال كنزكم له، وجزاء إمساككم إياه، عن النفقة في سبيل الله، وسوء عاقبته وقبح مغبته وشؤم فائدته ومنفعته.
وخلاصة هذا: أن ما كنتم تظنونه من منفعة كنزه لأنفكسم، لا يشارككم فيها أحد .. قد إن لكم ضرًّا، وعليكم ضدًّا، فقد صار في الدنيا لغيركم، وعذابه في الآخرة لاحقًا بكم، وإن من أكبر أسباب الضعف الظاهر الذي نراه في المسلمين عامةً، حتى تمكن أعداؤهم من سلب ملكهم ويحاولون صدهم عن دينهم، بخل أغنيائهم، إذ لو وجهوا هممهم لإنشاء المدارس والمصانع والمعامل، لتعليم النشىء العلوم الدينية والدنيوية، من فنون الحرب، وصنع الأسلحة .. لأمكنهم أن يخرجوا للأمة رجالًا، يحفظون الدين والملك، ويعيدون إليها مجدها الزائل، ويجذبون المعتدين عليها إلى الإسلام، ويدخلونهم فيه أفواجًا أفواجًا.
وقرأ الجمهور:{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا} بالياء وقرأ الحسن وابن عامر: في رواية {تُحْمَى} بالتاء، وقرأ أبو حيوة:{فيكوى} بالياء، لكون المسند إليه مجازي التأنيث ووقع الفصل أيضًا.