أي: ويحرمون التأخير {عَامًا} آخر وهو العام الذي يتركون المحرم على تحريمه؛ أي: يفعلون ذلك التحليل عامًا والتحريم عامًا آخر {لِيُوَاطِئُوا}؛ أي: ليوافقوا بتحليل شهر وتحريم آخر بدله {عِدَّةَ}؛ أي: عدد {مَا حَرَّمَ اللهُ} من الأشهر فلا يزيدون على تحريم أربعة، ولا ينقصون ولا ينظرون إلى أعيان الأربعة الأشهر، التي حرمها الله تعالى {فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} بخصوصه يعني المحرم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنهم ما أحلوا شهرًا من الحرم إلا حرموا مكانه شهرًا من الحلال، ولم يحرموا شهرًا من الحلال، إلا أحلوا مكانه شهرًا من الحرام، لأجل أن يكون عدد الأشهر الحرم أربعة، كما حرم الله، فيكون ذلك موافقة في العدد، لا في الحكم، وقال ابن عباس: الذين شرعوا النسيء هم بنو مالك من كنانة، وكانوا ثلاثةً، قيل: أول من شرعه عمرو بن يحيى، وقيل: رجل، يقال له نعيم بن ثعلبة، وقيل غير ذلك.
وكان من عادتهم في ذلك أن يقوم رجل من كنانه في أيام منى، حيث يجتمع الحجيج، فيقول: أنا الذي لا يرد قضاء لي، فيقولون: صدقت، فأخر عنا حرمة المحرم، واجعلها في صفر، فيحل لهم المحرم، وبذلك يجعل الشهر الحرام حلالًا، ثم صاروا ينسؤون غير المحرم ويسمون النسيء باسم الأصل، فتغير أسماء الشهور كلها، فيسمون صفر محرمًا وربيع الأول صفرًا، وهكذا، وبذلك يعلم أن النسيء تشريع ديني ملتزم غيّروا به ملة إبراهيم، اتباعًا للهوى وسوء التأويل، ومن ثم سماه الله زيادة في الكفر؛ أي: إنه كفر بشرع دين لم يأذن به الله، زائد على شركهم بالله وكفرهم به، إذ حق التشريع له وحده، فمنازعته في ذلك شرك في ربوبيته، وهم يضلون به سائر الكفار، الذين يتبعونهم فيه ويظنون أنهم لم يخرجوا به عن ملة إبراهيم إذ واطؤوا عدة ما حرم الله من الشهور في ملته، ولم يزيدوا ولم ينقصوا، وإن قدموا وأخروا مع أن المقصد في ذلك العدد والتخصيص، لا مجرد العدد، وإذا لم يفعلوا ذلك .. فقد استحلوا ما حرم الله تعالى.
{زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ}؛ أي: زين لهم الشيطان الأعمال السيئة التي