{بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ}؛ أي: متشابهون فيه وصفًا وعملًا، كما تقول: أنت مني وأنا منك، أي: أمرنا واحد، لا افتراق بيننا {بِالْمُنْكَرِ} وهو إما شرعي، وهو ما يستقبحه الشرع وينكره، وإما فطري، وهو ما تستنكره العقول الراجحة، والفطر السليمة، لمنافاته للفضائل، والمنافع الفردية، والمصالح العامة، وضده المعروف في كل ذلك {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} وقبض الأيدي يراد به الكف عز البذل، وضده بسط اليد {نَسُوا اللَّهَ}؛ أي: تركوا أوامره حتى صارت عندهم بمنزلة المنسي {فَنَسِيَهُمْ}؛ أي: فجازاهم على نسيانهم بحرمانهم أو النشاب على ذلك في الآخرة {هُمُ الْفَاسِقُونَ}؛ أي: الخارجون عن الطاعة المنسلخون عن فضائل الإيمان {وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ} واللعن الطرد والإبعاد أو الرحمة، والإهانة والمذلة {عَذَابٌ مُقِيمٌ} والمقيم الثابت الذي لا يتحول {بِخَلَاقِهِمْ}؛ أي: بنصيبهم من ملاذ الدنيا، واشتقاقه أو الخلق، بمعنى التقدير: فإنه ما قدر لصاحبه، كما في "البيضاوي".
{وَخُضْتُمْ}؛ أي: دخلتم في الباطل وتلبستم به {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} يقال: حبط العمل إذا فسد، وذهبت فائدته {هُمُ الْخَاسِرُونَ}: من الخسارة والخسارة في التجارة تقابل الربح فيها {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ}؛ أي: المنقلبات التي جعل الله عاليها سافلها، جمع مؤتفكة، من الائتفاك، وهو الانقلاب، بجعل أعلى الشيء أسفله بالخسف، وهي قرى قوم لوط، يقال: أَفَكَهُ إذا قلبه، وبابه ضرب وفي "السمين" والمؤتفكات؛ أي: المنقلبات، يقال: أفكته فأتفك؛ أي: قلبته فانقلب والمادة تدل على التحول والصرف ومنه {يُؤفَكُ عَنْهُ مَن أُفِكَ}؛ أي: يصرف اهـ.
{وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً}؛ أي: منازل يطيب العيش فيها، جمع مسكن، وهو من أوزان منتهى الجموع؛ لأنه على زنة مفاعل كمساجد.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: {هُوَ أُذُنٌ} لما فيه من إطلاق اسم الجزء