للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الله عليه، وكذبهم في إنكارهم.

وجهادهم أن لا يعاملوا معاملة المؤمنين الصادقين، فيقابلون بالغلظة والتجهم لا بالطلاقة والبشر، إلى نحو ذلك مما سيذكر.

وقال أبو حيان (١): لما ذكر الله سبحانه وتعالى وعيد غير المؤمنين، وكانت السورة قد نزلت في المنافقين .. بدأ بهم في ذلك بقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ} ولمَّا ذكر أمر الجهاد، وكان الكفار غير المنافقين أشد شكيمة، وأقوى أسبابًا في القتال، وأنكاءً بتصديهم للقتال، قال: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} فبدأ بهم قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} هذه الآيات بيان لحال طائفة أخرى أو المنافقين، أغناهم الله تعالى بعد فقرٍ وإملاقٍ، وقد كانوا يلجؤون إلى الله وقت البأساء والضراء، فيدعونه ويعاهدونه على الشكر له، والطاعة لشرعه، إذا هو كشف ضرهم وأغناهم بعد فقرهم، فلما استجاب دعاءهم .. نكصوا على أعقابهم، وكفروا النعمة، وهضموا يقول الخلق، ومثل هؤلاء يوجدون في كل زمان ومكان.

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (٢): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر بخل المنافقين، وشحهم بأموالهم حتى بعد أن عاهدوا الله على الصدقة إذا آتاهم أو فضله .. أردف ذلك ببيان أنهم، يقتصروا في جرمهم على هذا الحد، بل جاوزوا ذلك إلى لمز المؤمنين، وذمهم في صدقاتهم غنيهم وفقيرهم، وأنهم لهذا قد وصلوا إلى حدّ لم يعد لهم فيه أدنى حظٍّ من الإِسلام، ولا أدنى نفع أو استغفار الرسول، ودعائه لهم، لرسوخهم في الكفر بالله ورسوله وعدم الرَّجاء في إيمانهم.

قوله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ ....} الآية، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر بعض سوءات المنافقين أو اعتذارهم للمؤمنين عن الخروج معهم للقتال، ولمزهم في قسمة الصدقات، وفي


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.