للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويستعمل خلافه بمعنى بعده، يقال: جلست خلاف فلان، وخلفه؛ أي: بعده، ومنه {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}.

{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ}؛ أي: ردك (١) الله، خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعدم جمعهم معه في مشاهد الخير بعد ذلك، ويؤخذ من ذلك: أن أهل الفسوق والعصيان لا يرافقون ولا يشاورون.

ورجع: إما لازم، فبابه جلس، ومصدره الرجوع، وإما متعد، وبابه قطع، ومصدره المرجع، كالرد، كما في "المختار" وفي "الكرخي" ومعنى الرجع تصيير الشيء إلى المكان الذي كان فيه، يقال: رجعته رجعا كقولك رددته ردًّا. اهـ.

{أَوَّلَ مَرَّةٍ} وهي (٢) الخرجة إلى غزوة تبوك، ومرة مصدر، كأنه قيل أول خرجه دعيتم إليها، لأنها لم تكن أول خرجه خرجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - للغزاة، فلا بد من تقييدها، إذ الأولية تقتضي السبق، وقيل: التقدير: أول خرجه خرجها الرسول لغزوة الروم بنفسه، وقيل: أول مرة قبل الاستئذان.

{فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ}؛ أي: أقيموا وليس أمرًا بالقعود الذي هو نظير الجلوس، وإنما المراد منعهم من الخروج معه، قال أبو عبيدة: الخالف، الذي خلف بعد خارج، فقعد في رحله، وهو الذي يستخلف عن القوم، وقيل: المخالفين، المخالفين، من قولهم: عبد خالف؛ أي: مخالف لمولاه، وقيل: الأخساء الأدنياء، من قولهم: فلان خالفة قومه، لأخسِّم وأرذلهم.

ودلت هذه الآية على توقي صحبة من يظهر منه مكرٌ وخداع وكيد، وقطع العلاقة معه، والاحتراز منه، وقال قتادة: ذكر لنا أنهم كانوا اثثي عشر رجلًا.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآية أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:

فمنهما: تأكيد المدح بما يشبه الذم في قوله: {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ


(١) الصاوي.
(٢) البحر المحيط.