للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعبارة المراغي هنا: لما استقصى الله سبحانه وتعالى أحوال المتخلفين عن غزوة تبوك على النحو الذي سلف، عاد مرة أخرى إلى الكلام في توبتهم، جريًا على سنّة القرآن الكريم في تفريق الآيات في الموضوع الواحد؛ لأنه أفعل في النفس، وأشد تأثيرًا في القلب، وأجدى في تجديد الذكرى، وأدنى أن لا يسأم التالي لها في الصلاة وغيرها، إلا أنه مناسب لما قبله من النهي عن الاستغفار للمشركين، إذ كل مما يتاب منه وكل عثرة يطلب منها الصفح والعفو.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ...} الآية، سبب (١) نزولها ما أخرجه ابن مردويه: من طريق ابن إسحاق، قال: ذكر ابنُ شهاب الزهري، عن ابن أكيمة الليثي، عن ابن أخي أبي رهم الغفاري، أنه سمع أبا رهم، وكان ممن بايع تحت الشجرة يقول: أتى منْ بني مسجدَ الضرار رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو متجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله، إنا بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة الشاتية والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، قال: إني على جناح السفر، وإذا قدمنا إن شاء الله .. أتيناكم فصلينا لكم فيه، فلما رجع نزل بذي أوان على ساعة من المدينة، فأنزل الله في المسجد: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا}، إلى آخر القصة، فدعا مالك بن الدخشن، ومعن بن عدي، أو أخاه عاصم بن عدي، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وأحرقاه، ففعلا.

وأخرج (٢) ابن أبي حاتم، وابن مردويه، من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لما بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مسجد قباء خرج رجال من الأنصار، منهم: بخدج، فبنوا مسجد النّفاق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبخدج "ويلك، ما أردتَ إلى ما أرى" فقال: يا رسول الله، ما أردت إلا الحسنى، فأنزل الله الآية. وأخرج ابن مردويه: من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: إن أناسًا من الأنصار بنوا مسجدًا فقال لهم أبو عامر: ابتنوا مسجدكم واستمدوا بما استطعتم


(١) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.