{إِلَّا الْحُسْنَى}؛ أي: إلا الفعلة الحسنى، والخصلة التي تفوق غيرها في الحسن، وهي الصلاة والذكر فيه، والرفق بالمسلمين والتوسعة على أهل الضعف والعجز عن الصلاة في مسجد قباء، أو مسجد الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، {وَاللَّهُ}، سبحانه وتعالى {يَشْهَدُ}؛ أي: يعلم {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} في قيلهم وفي حلفهم؛ لأنهم ما بنوه إلا للسوء وضرار مسجد قباء.
روي أن الذين اتخذوا هذا المسجد، كانوا اثني عشر رجلًا من منافقي الأوس والخزرج، وقد بين الله سبحانه وتعالى الأغراض التي لأجلها بنى، وهي أربعة:
١ - مضارة المؤمنين من أهل مسجد قباء، الذي بناه رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، مقدمه من مكة مهاجرًا قبل وصوله إلى المدينة.
٢ - تقوية الكفر وتسهيل أعماله من فعل وترك، كتمكين المنافقين من ترك الصلاة هناك، مع خفاء ذلك على المؤمنين لعدم اجتماعهم في مسجد واحد، والتشاور فيما بينهم في الكيد لرسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، والطعن فيه إلى نحو أولئك من مقاصد المنافقين.
٣ - التفريق بين المؤمنين المقيمين هنالك، فإنهم كانوا يصلون جميعًا في مسجد قباء، وفي ذلك حصول التعارف والتآلف والتعاون وجمع الكلمة، وهي أهم مقاصد الإِسلام الاجتماعية، ومن ثم كان تكثير المساجد وتفريق الجماعة منافيًا لأغراض الدين ومراميه، ومن الواجب أن يصلي المسلمون الجمعة في مسجد واحد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا فإن تفرقوا عمدًا كانوا آثمين.
ومن (١) هذا، يعلم أن بناء المساجد لا يكون قربة يتقبلها الله، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ولم يكن سببًا لتفريق جماعتهم، فكثير من المساجد المتقاربة في القاهرة وغيرها من الأمصار والمدن الأخرى، لم تبن لوجه الله، بل كان الباعث على بنائها الرياء واتباع الأهواء من جهلة الأفراد والأثرياء، وعدم نصح