تلك الباقية أحكام دينهم من النبي، - صلى الله عليه وسلم -، {وَلِيُنْذِرُوا} ويبشروا، {قَوْمَهُمْ} الذين خرجوا للجهاد بما تعلموا من النبي، - صلى الله عليه وسلم -، {إِذَا رَجَعُوا}؛ أي: إذا رجع الخارجون من الغزو، {إِلَيْهِمْ}؛ أي: إلى الباقين في المدينة، {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}؛ أي: لكي يحذر الخارجون بسبب تعليمهم إياهم، ويخافوا عقاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
فالمعنى (١): ما ينبغي ولا يجوز للمؤمنين أن ينفروا جميعًا، ويتركوا النبي، - صلى الله عليه وسلم -، وحده، بل يجب أن ينقسموا قسمين: طائفة تكون مع رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وطائفة تنفر إلى الجهاد؛ لأن ذلك هو المناسب للوقت إذ كانت الحاجة داعية إلى هذا الانقسام، قسم للجهاد، وقسم لتعلم العلم والفقه في الدين؛ لأن أحكام الشريعة كانت تتجدد شيئًا بعد شيء، والماكثون يحفظون ما تجدد، فإذا قدم الغزاة علموهم ما تجدد في غيبتهم.
وفي قوله:{وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون غرض المتعلم الاستقامة وتبليغ الشريعة لا الترفع على العباد، والتبسط في البلاد، كما هو دأب أبناء الزمان، اهـ "أبو السعود".
والخلاصة: وما كان من شأن المؤمنين، ولا مما يطلب منهم أن ينفروا جميعًا في كل سرية تخرج للجهاد، فإنه فرض كفاية متى قام به بعض سقط عن الباقين، لا فرض على كل شخص، وإنما يجب ذلك إذا خرج الرسول واستنفرهم للجهاد. فهلا خرج، ونفر من كل فرقة كبيرة منهم، كأهل بلد، أو قبيلة طائفة وجماعة منهم، وتبقى طائفة أخرى للتفقه في الدين، بأن يتكلف الباقون في المدينة الفقاهة في الدين، بما يتجدد نزوله على الرسول، - صلى الله عليه وسلم - من الآيات، وما يكون منه - صلى الله عليه وسلم -، من بيانها بالقول والعمل، فيعرف الحكم مع حكمته ويوضح المجمل بالعمل به، ولينذروا قومهم الذين نفروا للقاء العدو إذا رجعوا إليهم؛ أي: ليجعلوا أهم قصد لهم من الفقاهة إرشاد هؤلاء وتعليمهم، وإنذارهم عاقبة