للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المشركون المعاصرون للنبي، - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كانوا ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء، فكيف يستطيعون أن يؤذوا رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، بما لم يأذن به الله تعالى؟ والمعنى (١): ألا إن لله كل من في السموات ومن في الأرض عبيدًا مملوكين له، لا مالك لشيء من ذلك سواه، فكيف يكون إلهًا معبودًا ما يعبده هؤلاء المشركون من الأوثان والأصنام، والعبادة للمالك دون المملوك، وللرب دون المربوب.

فإن قلت (٢): قد قال تعالى في الآية التي قبل هذه {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} بلفظة {مَا} وقال في هذه الآية بلفظة {مَن} فما فائدة ذلك؟

قلتُ: إن لفظة {ما} تدل على ما لا يعقل ولفظة {من} تدل على من يعقل، فمجموع الآيتين يدل على أن الله عزّ وجل يملك جميع من في السموات ومن الأرض من العقلاء وغيرهم، وهم عبيده وفي ملكه. وقيل: إن لفظة {مَن} لمن يعقل، فيكون المراد بـ {مَن} في السموات الملائكة العقلاء وبـ {مَن} في الأرض الإنس والجن، وهم العقلاء أيضًا، وإنما خصهم بالذكر لشرفهم، وإذا كان هؤلاء العقلاء المميزون في ملكه وتحت قدرته .. فغير العقلاء من الحيوانات والجمادات بطريق الأولى، أن يكونوا في ملكه، إذا ثبت هذا فتكون الأصنام التي يعبدها المشركون أيضًا في ملكه وتحت قبضته وقدرته، ويكون ذلك قدحًا في جعل الأصنام شركاء لله معبودة دونه. وفي الآية: نعي على عباد البشر والملائكة والجمادات؛ لأنهم عبدوا المملوك وتركوا المالك، وذلك مخالف لما يوجبه العقل، ولهذا أردفه بقوله: {وَمَا يَتَّبِعُ} المشركون {الَّذِينَ يَدْعُونَ} ويعبدون {مِنْ دُونِ اللَّهِ} تعالى آلهة {شُرَكَاءَ} له تعالى حقيقة؛ لأن ذلك محال، انما هي أسماء لا مسميات لها، و {مَا} نافية؛ أي: إن هؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله تعالى بدعائهم في الشدائد واستغاثتهم في النوازل والتقريب إليهم بالقرابين والنذور، لا يتبعون شركاء له في الحقيقة يدبرون أمور العباد، ويكشفون الضر عنهم، إذ لا شريك له


(١) المراغي.
(٢) الخازن.