للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا بيان الحكمة دون العلة؛ أي: الحكمة في إنزاله: أن يتدبّروا فيه، فيعلموا أن الله تعالى لم يفعل ذلك إلا للدلالة على صحة نبوته، فيجتهدوا بذلك في اتّباع الرشد، وإذا فعلتم ذلك آمنتم بمحمد؛ لأنه قد أتى من المعجزات بما يدلكم إذا تدبّرتم فيه على صحة دعواه النبوّة.

والمعنى (١): واذكروا نعمة إيتاء التوراة والآيات التي أيّدنا بها موسى، لتهتدوا بالتدبر فيها، والعمل بما تحويه من الشرائع، ليعدّكم للاسترشاد بها، حتى لا تقعوا في وثنيّة أخرى، وأن من كمال الاستعداد لفهم الكتاب، أن تعرفوا أنّ ما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم دليل على صحة نبوته، فتؤمنوا به، وتهتدوا بهديه، وتتبعوا سبيل الرشاد الذي سلكه.

واعلم: أنه روي (٢): أن بني إسرائيل، لمّا أمنوا من عدوهم بإغراق الله آل فرعون، ودخلوا مصر، لم يكن لهم كتاب ولا شريعة ينتهون إليها، فوعد الله سبحانه موسى أن ينزل عليه التوراة، فقال موسى لقومه: إني ذاهب لميقات ربي، آتيكم بكتاب فيه بيان ما تأتون، وما تذرون، ووعدهم أربعين ليلة، واستخلف عليهم أخاه هارون، فلما أتى الوعد جاءه جبريل على فرس، يقال له: فرس الحياة، لا يصيب شيئا إلا حيي؛ ليذهب بموسى إلى ربه، فلما رآه السامريّ، وكان رجلا صائغا من أهل باجرمي، واسمه ميحا، ورأى مواضع الفرس تخضرّ من ذلك، وكان منافقا، أظهر الإسلام، وكان من قوم يعبدون البقر، فلما رأى جبريل على ذلك، قال: إنّ لهذا شأنا، وأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبريل.

وقيل: إنه عرف جبريل، لأنّ أمه حين خافت عليه أن يذبح سنة ذبح فرعون أبناء بني إسرائيل، خلفته في غابة، وكان جبريل يأتيه فيغذيه بأصابعه، فكان السامريّ يمصّ من إبهام يمينه عسلا، ومن إبهام شماله سمنا، فلمّا رآه حين عبر البحر عرفه، فقبض قبضة من أثر فرسه، فلم تزل القبضة في يده حتى انطلق موسى إلى


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.