الطور، وكأن السامريّ سمعهم حين خرجوا من البحر، وأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا يا موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، ووقع في نفسه أن يفتنهم من هذا الوجه وكان بنو إسرائيل، استعاروا حليّا كثيرة من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر، بعلّة عرس لهم، فأهلك الله تعالى فرعون، وبقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل، فلمّا ذهب موسى إلى المناجاة، عدّ بنو إسرائيل اليوم مع الليلة يومين، فلمّا مضى عشرون يوما، قالوا: قد تم أربعين ولم يرجع موسى إلينا فخالفنا، فقال السامريّ: هاتوا الحلي التي استعرتموها، أو أنّ موسى أمرهم أن يلقوها في حفرة، حتى يرجع ويفعل ما يرى فيها، فلما اجتمعت الحليّ صاغها السامريّ عجلا في ثلاثة أيام، ثم ألقى فيها القبضة التي أخذها من تراب سنبك فرس جبريل، فخرجت عجلا من ذهب مرصعا بالجواهر كأحسن ما يكون، فصار جسدا له خوار؛ أي: صوت كصوت العجل، وله لحم، ودم، وشعر.
وقيل: دخل الريح في جوفه من خلفه وخرج من فيه، كهيئة الخوار، فقال للقوم:
هذا إلهكم وإله موسى، فنسي؛ أي: أخطأ موسى الطريق وربّه هنا، وهو ذهب يطلبه، فأقبلوا كلهم على عبادة العجل إلا هارون، مع اثني عشر ألفا اتبعوا هارون، ولم يتبعه غيرهم، وهارون قد نصحهم، ونهاهم، وقال: يا قوم! إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري. قالوا: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى. وقيل: كان موسى وعدهم ثلاثين ليلة، ثمّ زيدت العشر، وكانت فتنتهم في تلك العشر، فلمّا مضت الثلاثون ولم يرجع موسى، وظنّوا أنه قد مات، ورأوا العجل وسمعوا قول السامري، عكفوا على العجل يعبدونه.
قال أبو اللّيث في «تفسيره»: وهذا الطريق أصحّ، فلما رجع موسى ووجدهم على ذلك، ألقى الألواح، فرفع من جملتها ستة أجزاء وبقي جزء واحد، وهو الحلال والحرام وما يحتاجون، وأحرق العجل وذرّاه في البحر، فشربوا من مائه حبّا للعجل، فظهرت على شفاههم صفرة، وورمت بطونهم، فتابوا، ولم تقبل توبتهم دون أن يقتلوا أنفسهم، وهذه حالهم. وأمّا هذه الأمة فلا يحتاجون إلى قتل النفس للتوبة في مثل هذه الصورة.