للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الناطقة بما ينفع، ويُنجي من جواب، أو شفاعة {إِلَّا بِإِذْنِهِ} سبحانه وتعالى إذ لا يملك أحد فيه قولًا، ولا فعلًا إلا بإذنه تعالى في التكلم. فالمأذون (١) من الكلام هو الجوابات الصحيحة, والممنوعُ منه هو ذكر الأعذار الباطلة كما قال تعالى: {لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا}، وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}، وقوله: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}، ويوم القيامة يوم مقداره ألف سنة من سني الدنيا. ففيه مواقف، وأزمنة، وأحوال، مختلفة يتكلمون في بعضها، ويتساءلون كما قال: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}. ولا يتكلمون في بعضها لشدة الهول، والفزع، وظهور آثار سطوة القهر، أو لعدم الإذن لهم في الكلام، كما قال تعالى: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)}، ويُختم في بعضها على أفواههم، وتتكلم أيديهم، وتشهد أرجلهم، وبهذا التفصيل يجمع بينَ الآيات المتعارضة ظَواهِرُها.

وقرأ الأعمش (٢): {وما يؤخره} بالياء. وقرأ النحويان أبو عمرو، والكسائي، ونافع: {يأتي} بإثبات الياء وصلًا، وحذفَها وقفًا. وقرأ ابن كثير بإثباتها وصلًا ووقفًا، وهي ثابتة في مصحف أُبيٍّ. وقرأ باقي السبعة بحذفها وصلًا ووقفًا. وسقطت في مصحف الإِمام عثمان رضي الله عنه. وقرأ الأعمش: {يأتون} وكذا في مصحف عبد الله، وإثباتها وقفًا ووصلًا هو الوجه. ووجه (٣) حذف الياء مع الوقف ما قاله الكسائي أن الفعلَ السالمَ يوقف عليه كالمجزوم، فحذفت الياء، كما تحذف الضمة، ووجه قراءة مَنْ قرأ بحذف الياء مع الوصل أنهم رأوا رَسْمَ المصحف كذلك. وَحَكى الخليل، وسيبويه: أن العرب تقول: لا أدر فتحذف الياء، وتجتزىء بالكسر. وأنشد الفراء في حذف الياء:

كَفَاكَ كَفٌّ مَا تَلِيْقُ دِرْهَمًا ... جُوْدًا وَأُخْرَى تُعْطِ بِالسَّيْفِ الدَّمَا

قال الزجاج: والأجود في النحو إثبات الياء، انتهى.


(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.