للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بلطيف حكمته، بريئا من التفاوت، والتنافر، إلى عبادة العجل الذي هو مثل في الغباوة، وأنّ من لم يعرف حقوق منعمه، حقيق بأن تستردّ هي منه، ولذلك أمروا بالقتل، وفكّ التركيب، فقالوا له: كيف نتوب إلى الله سبحانه {فـ} قال لهم {اقتلوا أَنْفُسَكُمْ}؛ أي: سلّموا أنفسكم للقتل، وارضوا به، واصبروا عليه، وليقتل البريء منكم المجرم، وإنما قال أنفسكم؛ لأن المؤمنين إخوة، وأخو الرجل كأنّه نفسه، كما قال تعالى: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ}؛ أي: ولا تغتابوا إخوانكم من المسلمين. كذا في «التيسير»، و «تفسير أبي الليث»، والفاء في قوله: {فَاقْتُلُوا} للتعقيب، وتوبتهم هي قتلهم؛ أي: فاعزموا على التوبة، فاقتلوا أنفسكم. كذا في «الكشاف».

وقال في «التفسير الكبير»: وليس المراد تفسير التوبة بقتل النفس، بل بيان أنّ توبتهم لا تتمّ، ولا تحصل إلا بقتل النفس، وإنما كان كذلك؛ لأنّ الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام، أن توبة المرتد لا تتم إلا بالقتل {ذلِكُمْ}؛ أي: القتل في التوبة {خَيْرٌ لَكُمْ}؛ أي أنفع لكم {عِنْدَ بارِئِكُمْ} سبحانه من الامتناع الذي هو إصرار، وفيه عذاب، لما أن القتل طهرة من الشرك، ووصلة إلى الحياة الأبدية، والبهجة السرمدية؛ أي: إنّ التوبة أجر لكم عند خالقكم، من إقامتكم على عبادة العجل؛ لما فيها من الطهارة من الشرك. وقوله: {فَتابَ عَلَيْكُمْ} خطاب منه تعالى، معطوف على محذوف؛ أي: ثم فعلتم ما أمرتم به، فتاب عليكم بارئكم؛ أي: قبل توبتكم، وتجاوز عنكم، وإنما لم يقل: فتاب عليهم، على أنّ الضمير للقوم؛ لما أن ذلك نعمة أريد التذكير بها للمخاطبين لا لأسلافهم.

فإن قلت (١): أنه تعالى أمر بالقتل، والقتل لا يكون نعمة.

قلت: إن الله سبحانه نبّههم على عظيم ذنبهم، ثم نبّههم على ما به يتخلّصون من ذلك العظيم، وذلك من النعم في الدّين؛ أي: قبل توبة من قتل منكم، وغفر لمن لم يقتل من بقية المجرمين، وعفا عنهم من غير قتل.


(١) روح البيان.