{إِنَّهُ} سبحانه وتعالى {هُوَ التَّوَّابُ}؛ أي: الذي يكثر توفيق المذنبين للتوبة، ويبالغ في قبولها منهم:{الرَّحِيمُ}؛ أي: كثير الرحمة للمطيعين أمره حيث جعل القتل كفارة لذنوبهم. روي أنهم لمّا أمرهم موسى بالقتل. قالوا: نصبر لأمر الله، فجلسوا في الأفنية محتبين مذعنين. وقيل لهم: من حلّ حبوته، أو مدّ طرفه إلى قاتله، أو اتقاه بيد أو رجل، فهو ملعون مردود توبته، وأصلت القوم عليهم الخناجر؛ أي: حملوا عليهم الخناجر، ورفعوا بها وضربوهم بها، وكان الرجل يرى ابنه، وأباه، وأخاه، وقريبه، وصديقه، وجاره، فلم يمكنهم المضيّ لأمر الله. قالوا: يا موسى! كيف نفعل؟ فأرسل الله سبحانه ضبابة، وسحابة سرداء، لا يبصر بعضهم بعضا، فكانوا يقتلونهم إلى المساء، فلما كثر القتل، دعا موسى وهارون، وبكيا، وتضرّعا، وقالا: يا رب! هلكت بنو إسرائيل، البقية، البقية، فكشف الله السحابة، ونزلت التوبة، وأمرهم أن يكفّوا عن القتل، فقتل منهم سبعون ألفا، فكان من قتل شهيدا، ومن بقي مغفورة ذنوبه. وأوحى الله سبحانه إلى موسى عليه السلام، إني أدخل القاتل والمقتول الجنة. هذا على رواية أن القاتل من المجرمين، على أن معنى قوله:{فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} بعض المجرمين بعضا، فالقاتل هو الذي بقي من المجرمين بعد نزول أمر الكف عن القتل، وإلا فالقاتل على الرواية الأخرى هو البرىء، كما سبق في تفسير الآية.
وروي: أنّ الأمر بالقتل من الأغلال التي كانت عليهم، وهي المواثيق اللازمة لهم لزوم الغلّ، ومن الإصر وهو الأعمال الشاقة، كقطع الأعضاء الخاطئة، وعدم جواز صلاتهم في غير المسجد، وعدم التطهير بغير الماء، وحرمة أكل الصائم بعد النوم، ومنع الطيبات عنهم بالذنوب، وكون الزكاة ربع مالهم، وكتابة ذنب الليل على الباب بالصبح، وكما روي: أن بني إسرائيل إذا قاموا يصلّون، لبسوا المسوح، وغلّوا أيديهم إلى أعناقهم، وربّما ثقب الرجل ترقوته، وجعل فيها طرف السلسلة وأوثقها إلى السارية، وحبس نفسه على العبادة. فهذه الأمور رفعت عن هذه الأمة؛ تكريما للنبي صلّى الله عليه وسلّم. وحاصل معنى الآية (١): أي