واذكر أيها الرسول الكريم! فيما تلقيه على بني إسرائيل، وغيرهم من العظات، قول موسى لقومه الذين عبدوا العجل، حيث كان يناجي ربه: يا قوم! إنكم باتخاذكم العجل إلها قد أضررتم بأنفسكم، وأنقصتم مالها من الأجر والثواب عند ربكم، لو أنكم أقمتم على عهدي، واتّبعتم شريعتي وقد فصّلت هذه القصة في سورتي الأعراف وطه {فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ ...} إلخ؛ أي: فاعزموا على التوبة إلى من خلقكم، وميّز بعضكم من بعض بصور، وهيئات مختلفة. وفي قوله:{إِلى بارِئِكُمْ} إيماء إلى أنهم بلغوا غاية الجهل، إذ تركوا عبادة البارىء، وعبدوا أغبى الحيوان، وهو البقر، وليقتل البرىء منكم المجرم.
وقصة القتل مذكورة في التوراة التي يتدارسونها إلى اليوم، ففيها دعاء موسى: من للربّ فإليّ، فأجابه بنو لاوى، فأمرهم أن يأخذوا السيوف ويقتل بعضهم بعضا، ففعلوا، فقتل في ذلك اليوم، نحو: ثلاثة آلاف رجل. والعبرة من القصة، لا تتوقّف على عدد معين، فلنمسك عنه ما دام القرآن لم يتعرّض له.
ذلكم المذكور من التوبة، والقتل، أنفع لكم عند الله من العصيان، والإصرار على الذنوب؛ لما فيه من العذاب، إذ أن القتل يطهّركم من الرجس الذي دنّستم به أنفسكم، ويجعلكم أهلا للثواب {فَتابَ عَلَيْكُمْ}؛ أي: ففعلتم ما أمركم به موسى، فقبل توبتكم، وتجاوز عن سيئاتكم، إنه سبحانه هو التواب؛ أي: كثير قبول التوبة ممن تاب إليه. الرحيم: أي كثير الرحمة بمن ينيب إليه، ويرجع، ولولا ذلك لعجل بإهلاككم على ما اجترحتم من عظيم الآثام، وكرّر البارىء باللفظ الظاهر؛ توكيدا؛ ولأنها جملة مستقلة، فناسب الإظهار. وللتنبيه على أنّ هذا الفعل هو راجح عند الذي أنشأكم، فكما رأى أن إنشاءكم راجح؛ رأي: أنّ إعدامكم بهذا الطريق من القتل راجح، فينبغي التسليم له في كل حال، وتلقّي ما يرد من قبله بالقبول، والامتثال. ذكره في «البحر».
وقرأ الجمهور (١): بظهور حركة الإعراب في {بارِئِكُمْ} وروي عن أبي