عمرو الاختلاس. روى ذلك عنه سيبويه، وروي عنه الإسكان؛ وذلك إجراء للمنفصل من كلمتين مجرى المتصل من كلمة، فإنه يجوز تسكين مثل إبل، فأجري المكسوران في بارئكم مجرى إبل. ومنع المبرد التسكين في حركة الإعراب، وزعم أن قراءة أبي عمرو لحن، وما ذهب إليه ليس بشيء؛ لأن أبا عمرو لم يقرأ إلا بأثر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولغة العرب توافقه على ذلك، فإنكار المبرد لذلك منكر.
وقرأ الزهري {باريكم} بكسر الياء من غير همز. وروي ذلك عن نافع، وليست في المتواترات ولهذه القراءة تخريجان:
أحدهما: أنّ الأصل الهمزة، وأنه من برأ، فخففت الهمزة بالإبدال المحض على غير قياس، إذ قياس هذا التخفيف، جعلها بين بين.
والثاني: أن يكون الأصل باريكم بالياء من غير همز، فيكون مأخوذا من قولهم بريت القلم إذا أصلحته، أو من البري وهو التراب، ثم حرّك حرف العلة، وإن كان قياسه تقدير الحركة في مثل هذا رفعا وجرا. وقد ذكر الزمخشري (١) في اختصاص ذكر البارىء هنا كلاما حسنا هذا نصه: فإن قلت: من أين اختصّ هذا الموضع بذكر البارىء؟
قلت: البارىء: هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت {ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ} ومميّزا بعضه عن بعض بالأشكال المختلفة، والصّور المتباينة، فكان فيه تقريع بما كان منهم، من ترك عبادة العالم الحكيم، الذي برأهم بلطيف حكمته، على الأشكال المختلفة، أبرياء من التفاوت، والتنافر، إلى عبادة البقر التي هي مثل في الغباوة، والبلادة. في أمثال العرب: أبلد من ثور. حتى عرضوا أنفسهم لسخط الله، ونزول أمره بأن يفك ما ركبه من خلقهم، وينثر ما نظم من صورهم، وأشكالهم، حين لم يشكروا النعمة في ذلك، وغمطوها بعبادة من لا يقدر على شيء منها. انتهى.