وفي الآية (١) أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم، والتهديد عليه، والعجب من قوم يقرؤون هذه الآية ويرون ما فيها، ثم لا يرتَدِعُونَ عن الظلم والميل إلى أهله، ولا يتدبرون أنهم مؤاخَذون غير منصورين.
وفي الحديث: "إياكم والظلمَ فإنه يخرِّب قلوبَكم". وفي تخريب القلب تخريب سائر الجسد، فالظالم يظلم على نفسه، حيث يخرب أعضاءه الظاهرة، والباطنة، وعلى الله حيث يخرب بنيانَ الله، ويغيِّرُه ويفسده، ولأنه إذا ظَلَمَ غيره، وآذاه، فقد ظَلَمَ على الله ورسوله وآذاه. والدليل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنا من الله، والمؤمنون مِنّي، فَمَنْ آذى مؤمنًا، فقد آذاني، ومَنْ آذاني فقد أَذَى الله تعالى".
ودَخَل في الركون إلى الظالمينَ المداهنة والرضى بأقوالهم، وأعمالهم، ومحبة مصاحبتهم، ومعاشرتهم، ومد العَين إلى زهرتهم الفانية، وغبطتهم فيما أوتوا من القطوف الدانية، والدعاءِ لهم بالبقاء، وتعظيمُ ذِكرهم، وإصلاح دواتهم، وقلمهم، ودفعُ القلم أو الكاغد إلى أيديهم، والمشي خلفَهم، والتزيي بزيهم، والتَّشبهُ بهم وخياطة ثيابهم وحَلق رؤوسهم.
وقد امتنع بعض السلف عن رَدِّ جواب الظلمة في السلام، وقد سئل سفيان الثوري عن ظالم أَشْرَفَ على الهلاك في بريه، هل يُسقَى شربةَ ماء؟ فقال: لا، فقيل له: يموتُ، فقال: دعه فإنه إعانة للظالم. وقال غيره: يسقى إلى أنْ يثوبَ إلى نفسه، ثم يعرِض عنه.
وفي الحديث: "العلماء أُمناء الرسل على عباد الله، مَا لَمْ يُخَالِطُوا السلطانَ، فإذا فعلوا ذَلك فقد خانوا الرسل، فاحذروهم، واعتزلوهم"، فإذا علمتَ هذا، فاعلم أنَّ الواجب عليك: أن تَعْتَزلَ عنهم بحيث لا تراهم، ولا يرونك إذ لا سلامة إلا فيه، وأن لا تفتشَ عن أمورهم، ولا تتقرب إلى من هو