من حاشيتهم، ومتصل بهم من إمامهم، ومؤذنهم فضلًا عن غيرهم، من عمالهم وخدمهم، ولا تتأسفَ على ما يفوتُ بسبب مفارقتهم، وترك مصاحبتهم، واذكر كثيرًا قولَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا قرأ الرجل القرآنَ، وتفقه في الدين، ثم أتى بابَ السلطان تملقًا إليه، وطمعًا لما في يديه خَاضَ بقدرِ خطاه في نار جهنم". والحديث كأنه مأخوذ من الآية، فهما متطابقان معنًى كما لا يخفَى.
ورُوي: أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى يوشع بن نون أني مهلِك من قومك أربعينَ ألفًا من خيارهم، وستين ألفًا من شرارهم، فقال: ما بال الأخيار؟ فقال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، فكانوا يؤاكلونهم، ويشاربونهم. وبهذا تبيَّن أن بُغْضَ الظَّلمةِ والغضبَ عليهم لله واجب، وإنما ظَهَرَ الفساد في الرعايا، وجميع أقطار الأرض، برًّا وبحرًا بفساد الملوك، وذلك بفساد العلماء أوَّلًا إذ لولا قُضاةُ السوء وعُلماءُ السوءِ لقل فساد الملوك، بل لو اتفقَ العلماء في كل عصر على الحق، ومنع الظلم، مجتهدينَ في ذلك، مستفرغين مجهودَهم، لما اجترأ الملوك على الفسادِ، ولاضمحل الظلم من بينهم رأسًا وبالكلية.
ومن ثمَّ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزالُ هذه الأمة تحت يد الله وكنفه، ما لم يمالِىء قراؤها أمراءها".
وإنما ذَكَر القراء؛ لأنهم كانُوا هم العلماء، ومَا كَانَ علمهم إلا بالقرآن، ومعانيهم إلا بالسنة، وما وراء ذلك من العلوم، إنما أحدثت بعدهم كذا في "بحر العلوم" للشيخ عليٍّ السمرقندي رحمه الله تعالى.
وذكَرَ في "الإحياء": أنَّ من دخلَ على السلطان بلا دعوة، كان جاهلًا، ومن دعِيَ فلم يجِبْ كَانَ أَهْلَ بدعة.
وتحقيق المقام: أنَّ الركونَ في الآية أسند إلى المخاطبين، والمخالطة، وإتيان الباب، والممالأة إلى العلماء والقراء، فكل منها إنما يكون مذمومًا إذا كان من قبل العلماء، وأمَّا إذا كان من جانب السلاطين والأمراء بِأنْ يكونوا مجبورينَ في ذلك مطالَبينَ بالاختلاط لأجل الانتفاع الديني .. فلا بَأسَ حينئذٍ بالمخالطة, لأنَّ المجبورَ المطالبَ مؤيد من عند الله تعالى، خَال عن الأغراض